بحث

العبودية لله السبيل إلى الحرية

العبودية لله السبيل إلى الحرية

بسم الله الرحمن الرحيم

    أيها الأخوة الأكارم؛ من معاني العبودية، العبودية الحقة سبيل إلى الحرية الحقة. فإذا عبدت الله وحده فعبادتك لله هي عين حريتك، وسبيل حقيقي إلى سيادتك، لذلك من عبد الله أصبح حراً من رق المخلوقين، من رق الشهوات، من رق النزوات، من رق الحاجات، أصبح حراً، كن عبداً الله فعبد الله حر.   

    في قلب كل إنسان، وهذا جزء من فطرته، حاجة ذاتية إلى إله يعبده، إلى معبود يتعلق به، ويسعى إليه، ويعمل على مرضاته، فإذا لم يكن معبود الإنسان هو الله لابد من أن يتجه إلى معبود آخر، فقد يعبد نفسه، وقد يعبد هواه، وقد يعبد زيداً، وقد يعبد عبيداً، وقد يعبد هذه الشهوة، ولا يليق بالإنسان أن يعبد غير الله، لأنه هو الخالق، هو المصور، هو المبدئ، هو المعيد، هو الرافع، هو الخافض، هو المعطي، هو المانع، هو القابض، هو الباسط، هو المعز، هو المذل، هو الرزاق ذو القوة المتين.   

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾

    فإما أن تعبد الله وحده وهذا الذي يليق بك، وإما أن تعبد زيداً أو عبيداً أو شهوة أو حاجة أو شيئاً سوى الله عز وجل، إما أن تعبد الله وإما أن تعبد شيئاً يرى أو لا يرى، يعقل أو لا يعقل، موجود أو غير موجود، والديانات الوثنية الأرضية التي تطفح بها البشرية الجاهلة تؤكد هذه الحقيقة، إما أن تعبد الله أو تعبد البقرة، كما هي الحال في بعض بلاد شرقي آسيا، إما أن تعبد الله وإما أن تعبد صنماً، إما أن تعبد الله وإما أن تعبد شهوة، لابد وأن تتجه إلى ما تظنه أنه عظيم، فليكن هذا الذي تتجه إليه هو الله رب العالمين.   

    الإسلام دين الفطرة، هذه النفس الإنسانية لا تستطيع أن تسعد، لا تطمئن، لا تستقر، لا تهدأ، لا تعود إلى الدار الآخرة سالمة إلا إذا عرفت ربها، معرفة الله أيها الأخوة هدف مصيري للإنسان، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء.   

     شيء آخر، ليس أشرف للإنسان العاقل من أن يعبد الذي خلقه، أيعبد مخلوقاً من دون الله لا ينفعه ولا يضره؟ أيعبد جهة من الجهات لا تملك له نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً؟ لا تستمع إليه، وإذا استمعت لا تستجيب له، أهذا يليق بالإنسان؟ ليس أشرف للإنسان العاقل من أن يعبد الذي خلقه، فسواه فعدله، وأن يطرح كل عبادة من سواه، وليس أجلب للسعادة أيها الأخوة، ليس أشرف، وليس أجلب للسعادة، وليس أجلب للسلامة مع الضمير من أن توجه الهم كله إلى الله، قال عليه الصلاة والسلام:   

((مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ ))

    من جعل همه إرضاء رب العالمين، وقد قال عليه الصلاة والسلام:   

(( اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها))

    ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يضرب لنا هذا المثل، يقول الله عز وجل:   

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً﴾

    لو أن رجلاً يأتمر عليه أناس عدة، هذا يأمره بكذا، وهذا يأمره بكذا، وكثيراً ما تتضارب هذه الأوامر، كثيراً ما تتناقض هذه الأوامر، ماذا يفعل؟ أيرضي زيداً أم يرضي عبيداً؟ أيرضي فلاناً أم يرضي علاناً؟ كيف يفعل إذا جاءت الأوامر متضاربة، والتوجيهات متضاربة؟ ماذا يفعل؟ كيف يتجه؟ إلى أين يسعى؟ هذه الحيرة، وهذا القلق، وهذا التخبط، وهذا الصراع المؤمن معافى منه، لأنه توجه إلى الله وحده، وما سوى الله بيد الله.  

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

    إذاً من أجل أن تكون حراً من رق المخلوقين، من أجل أن تكون حراً من الشهوات المكبلة، من أجل أن تكون حراً من الصراع، من الضيق، من الحرج، من البحث لإرضاء زيد أو عبيد، يجب أن تجعل همك كله أن ترضي الله عز وجل.   

    يقول أحد العلماء: كل من استكبر عن عبادة الله لابد من أن يعبد غير الله، إما أن تكون عبداً لله، وإما أن تكون عبداً لعبد لئيم، كل من استكبر عن عبادة الله لابد من أن يعبد غير الله، لأن الإنسان له إرادة، وهذه الإرادة تقتضي أن يكون له مراد، ما دام له إرادة فله مراد، فإذا لم يكن الله مراده فلابد من أن يتجه بإرادته إلى مخلوق ليرضيه، وليسعى له، وليعمل من أجله.  

﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾

    أنت بين خيار صعب إما أن تعبد الله، وإما أن تعبد غيره، أما ألا تعبد الله ولا تعبد أحداً سواه فهذا مستحيل في فطرة الإنسان، ركبت فطرة الإنسان على التوجه إلى جهة ما، على السعي لها، على الطواف حولها، على إرضائها، على العمل من أجلها، فطوبى لمن عرف ربه، طوبى لمن عبده، طوبى لمن اطمأنت نفسه بذكر الله.   

    يا أيها الأخوة؛ هذا الذي يستكبر عن عبادة الله لابد من أنه اتجه إلى مخلوق آخر، لابد من أنه اتجه إلى مخلوق من دون الله، إذاً هو وقع في الإشراك، فكل من لم يعبد الله وقع في الشرك شاء أم أبى، لمجرد أن تطيع مخلوقاً وتعصي الخالق، فهذا نوع من عبادة غير الله، ونوع أيضاً من الشرك، والمشرك كما تعلمون:   

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾

    فكل مستكبر عن عبادة الله مشرك بالضرورة، وكلما كان الرجل أكثر استكباراً كان أشدّ إشراكاً.  

    يا أيها الأخوة المؤمنون؛ الإنسان إذا ترك ربه، إذا أعرض عنه صار موزعاً بين المخلوقين، صار مشتتاً، صار مبعثراً، صار ممزقاً، وقع في الصراع، ولن تستغني عن المخلوقين، إلا في حالة واحدة، إلا إذا اتجهت إلى الله رب العالمين، احتج إلى الرجل تكن أسيره، واستغن عنه تكن أميره، لن تستطيع أن تستغني عن المخلوقين إلا إذا اتجهت إلى الله رب العالمين، لذلك يقول الله عز وجل على لسان سيدنا داود:   

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾

    فالعبودية سبيل إلى الحرية، الحرية مطلب كل إنسان، ولا تتحقق هذه الحرية إلا بعبادتك لله عز وجل.  

    قال عليه الصلاة والسلام:   

((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ))

    ويستنبط من هذا الحديث وسعد عبد الله.   



المصدر: خطبه الجمعة - الخطبة 0265 : خ1 - العبادة7 ( العبودية سبيل إلى الحرية الحقة ) ، خ2 - دعاء الحاج