بحث

الكتب السماوية والإيمان بها وأهدافها ومضامينها المشتركة

الكتب السماوية والإيمان بها وأهدافها ومضامينها المشتركة

بسم الله الرحمن الرحيم

     من أركان العقيدة الإسلامية الإيمانُ بالكتب السماوية التي أوحى الله بها إلى رسله، فالله سبحانه وتعالى يخاطب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، ويأمره بأن يعلن إيمانه بجميع الكتب التي أنزلها الله فيقول: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾، قل يا محمد صلى الله عليه وسلم آمنت بما أنزل الله من كتاب، أيُّ كتاب من الكتب السماوية المنزلة على أنبيائه آمن بها، قل: آمنت بها و إن خطاب الرسول خطابٌ لكل مَن آمن برسالته، وقال الله تعالى يخاطب المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا، و قال تعالى: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾. الإيمان بالرسل، والإيمان بالكتب مِن العقائد التي يجب أن تُعْلَم بالضرورة، ومَن لم يؤمن بالكتب السماوية فقد ضلّ ضلالاً مبيناً، ولو وسعنا هذا الكلام أي حينما تُعلِن بلسانك أنك مؤمن بهذا الكتاب، شيء جميل، وتخالفه، ولا تطبق أحكامه، ولا تجعله حَكَماً بينك وبين الآخرين، ولا تعبأ بأوامره، ولا تنتهي عما نهى عنه، ولا تراه حاسماً في حياتك اليومية، ولا تأخذ به، فأي إيمان هذا؟ هذا إيمان باللسان، ولكن الإيمان في القلب أي أن تنطلق في نشاطك وعملك وسلوكك في ضوء ما جاء في كتاب الله. أنت حينما تشتري آلة غالية الثمن، ولا تستطيع أن تشتري غيرها، ويؤلمك ألماً شديداً حينما تعطب، يكون مع هذه الآلة المُعقدة نشرة من المصنع الذي صنعها، في هذه النشرة تعليمات، وتوجيهات، وتوضيحات، وطريقة استعمال، وتحذيرات من أجل سلامتها وسلامة العمل بها، ومن أجل صيانتها، تأكد أنك تحرص حرصاً بالغاً لا حدود له على تطبيق هذه التعليمات، لأن الآلة غالية الثمن، وقد تُدرّ عليك ربحاً وفيراً، فلو تعطلت لتعطل معها رزقك، ولو تعطلت لكلفتك مبالغ طائلة في تصليحها، لذلك من هنا تحرص على تطبيق النشرة التي أرفقها المعمل معها تطبيقاً دقيقاً تاماً من أجل سلامتها، لاحظ نفسك كيف أنك تسعى إلى تنفيذ التعليمات تنفيذاً دقيقاً لحرصك على هذه الآلة، ولخوفك من أن تعطب، فكيف إذا علِمتَ أن هذا الكتاب الذي أنزله الله عزّ وجل على رسوله فيه تعليمات دقيقة، وأوامر واضحة، ونواهٍ صريحة، وفيه رسمٌ لطريق السعادة في الدنيا والآخرة، فيه توضيح، فيه إنذار، فيه تبشير، فيه بيان، فيه تفصيل، ما موقفك منه؟ الحقيقة التي لا مِراء فيها أنك إذا عرفت أنه من عند الله، وأن سعادتك في الدنيا والآخرة متوقفة على معرفته، ومعرفة مضامينه، والعمل به، لاشك أنك تطبقه.  والإيمانُ بالله مع الإيمان باليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والقدر خيره وشره، كل لا يتجزأ، لو آمنتَ بالله ولم تؤمن بكتابه فالمشكلة خطيرة، لو آمنت بالله ولم تؤمن باليوم الآخر المشكلة أخطر، ولا يُقبل منك الإيمانُ بها على واحدةٍ منها. من أجل ذلك يُعلن المسلم دائماً وَفق عقيدته التي متى أَخَلَّ بها كَفَرَ أنه يؤمن بكتب الله كلها إجمالاً فيما يجهل منها، وتفصيلاً فيما يعلم 

     أولاً: الهدف من الكتاب السماوي :

  1.      ليكون الكتابُ الرباني المُنزل على الرسول هو المرجعَ لأمته، مهما تعاقبت العصور، فيرجعون إليه في تحديد عقائد الدين وأسسه، ويرجعون إليه في التعرف على أحكام شريعة الله لهم، كما يرجعون إليه ليطالعوا مواعظه، ونصائحه، وأمثاله، وآدابه، وما تضمّنه من بشائر ونُذُر، ووعدٍ ووعيد، وسائر الوسائل والأساليب التربوية المختلفة الهادية إلى صراط الله المستقيم، والكتاب يُعدّ مرجعاً دقيقاً، يدفع التأويل والتدليس والتحوير والتعديل والإضافة والحذف والزيادة.  
  2.      ليكون الكتاب الرباني المنزل على الرسول هو الحكم العدل لأمته في كل ما يختلفون فيه، مما تناولته أحكام شريعة الله لهم، فكتاب الله هو الحاكم بين الناس، والناس يحكمون في ضوء ما جاء في كتاب الله، لذلك: قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، وقال أيضاً: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، وقال أيضاً: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾. قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، قال العلماء التفسير في هذه الآية: إن الناس كانوا أمة واحدة، كانوا على الفطرة، عبدوا الله بدافع من فطرتهم، وأحسنوا إلى بعضهم بدافع من فطرتهم، فلما عمّ الجهل، وزاغت العقائد، واستعرت الشهوات، واستيقظت الفتن، أصبحوا بحاجة إلى كتاب يحكم بينهم بعد أن تنطمس هذه الفطرة بفعل الشهوات، والطغيان، والجهل يأتي الكتاب ليحكم بين الناس بالعدل. 
  3.      ليصون الكتابُ الربانيُّ بعد عصر الرسول عقائدَ الدين وشرائعَه وغاياتِه، واستمرار الكتاب الرباني في أمة الرسول من بعده بمثابة استمرار وجود الرسول الذي بلّغه إليهم بين ظهرانيهم.  
  4.      ليحفظ الكتاب الربّاني لدعوة الرسول ولرسالته تأثيرها وسريانها بين الناس، وقابليتها للاتساع والانتشار. هناك دستوراً، هناك كتاباً، هناك ضابطاً، هناك مرجعاً، فمهما تباعدتِ الأمكنةُ والأزمنة عن مكان أو زمان نشأة الرسول صاحب الدعوة فهذا الكتاب يُعدّ وسيلة لاتساع الدعوة وانتشارها. 

     ثانياً:المضامين العامة التي اشتركت بها الكتب السماوية :

     يوجد مضامين موحدة مشتركة بين كل الكتب وبين كل دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. 

  1.      أصول الدين: الأنبياء جميعاً، والرسل جميعاً، والكتب المُنَزّلة جميعاً، مضمونها كله، مضمونها جميعاً أن قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا عقيدة، ﴿فَاعْبُدُونِ عمل، يوجد جانب نظري اعتقادي، وجانب سلوكي تطبيقي، الكتب السماوية كلها اشتركت في بيان أصول الدين، الدين له أصول، له عقائد أساسية، التوحيد من أصول الدين، الإيمان باليوم الآخر من أصول الدين، الإيمان بالرسالات السماوية من أصول الدين، الإيمان بالرسل من أصول الدين. 
  2.      أصول الأخلاق : الله سبحانه وتعالى ذكَرَ لنا وصايا لقمان لابنه في سورة لقمان، وضمّن هذه الوصايا ما يفيد بأنها وصايا ربانية، اقتبسها لقمان مما أنزل الله في الكتب الأولى، وساقها القرآن مساق وصايا يوصي الناس بها، مِمّا لهُ صفة الاستمرار والدوام، وعليه تكون هذه الوصايا القرآنية مما سبق حتماً أن جاء في الكتب الأولى، أوردها الله حكاية على لسان سيدنا لقمان، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ هذا التوحيد. ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾. 


المصدر: العقيدة الإسلامية - الدرس : 41 - الإيمان بالكتب السماوية