بحث

ما هو الاعجاز العلمي؟ وماذا يعني وجوده في القرآن؟

ما هو الاعجاز العلمي؟ وماذا يعني وجوده في القرآن؟

بسم الله الرحمن الرحيم

     يقول الله عز وجل:  

﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾

     ما حقيقة الإعجاز العلمي؟ هل القرآن كتاب فيزياء أو كتاب طب؟ ما هي الآفاق؟ وما الآيات التي سيريها الله عز وجل في الآفاق؟  

     هناك قاعدة ثابتة أن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، فهذا الكون الذي يشف على إله عظيم، حليم، رحيم، لا يعقل ولا يقبل أن يدع عباده من دون رسالة أو توجيه. لا بد مما تقتضيه رحمة الله عز وجل أن يبعث الأنبياء والمرسلين، رجل من بني البشر يقول أنا رسول الله، معه منهج افعل ولا تفعل، لولا هذا المنهج لصدقه كل الناس، لأن هناك منهج في أمر وفي نهي، ولأن الناس ألفوا التفلت من أي قيد، رد فعل هؤلاء البشر لمن قال لهم أنه رسول الله أن يكذبوه:   ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً﴾  وكيف يشهد الله لهذا الإنسان الذي قال لمن حوله أنه رسول الله، هنا منطلق الإعجاز. عند الأنبياء السابقين، كانت شهادة الله لهؤلاء الأنبياء خرقاً لنواميس الكون، يعني معجزة حسية.  معجزة سيدنا موسى: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ﴾ ، سيدنا عيسى أحيا الميت، سيدنا إبراهيم لم يحترق بالنار،  هذه المعجزات تشبه تألق عود الثقاب تألقت وانطفأت أصبحت خبراً يصدقه من يصدقه ويكذبه من يكذبه. إلا أن الوضع مختلف مع نبينا عليه الصلاة والسلام هذا النبي الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين، لكل البشر هو رحمة للعالمين إلى يوم الدين، خاتم الأنبياء، كتابه خاتم الكتب، فلا بد من أن تكون المعجزة علمية عقلية مستمرة معه،الأنبياء السابقون لأقوامهم فقط والمعجزة حسية. 

     حينما تقرأ في القرآن آية فيها أمر ماذا تقتضي هذه الآية؟ أن نأتمر، آية فيها نهي تقتضي أن ننتهي، ماذا نفعل لعدد كبير جداً من الآيات يقترب إلى الألف في الكون وخلق الإنسان؟ ماذا تقتضي هذه الآيات؟ إنها آيات الإعجاز القرآني، إنها آيات الأدلة على أن الذي خلق الأكوان هو الذي خلق هذا الإنسان 

     يوجد شيء يلفت النظر أن النبي صلى الله عليه وسلم في مئات الموضوعات التعبدية له أحاديث كثيرة، قد تصل إلى خمسمئة حديث، إلا أنه لم يشرح ولم يشر إلى أية آية من هذه الآيات لحكمة بالغة إما من اجتهاده أو من توجيه الله له، لأن هذه الآيات فيها ما يسمى بالسبق العلمي، فلو فسرها تفسيراً بسيطاً يفهمه صحابته الكرام لأنكرنا عليه اليوم هذا التفسير، ولو فسرها تفسيراً بحسب ما أراه الله من آياته الكبرى لأنكر عليه أصحابه لذلك تركت هذه الآيات، كل آية لها عصر يكشف قيمتها فكأن إعجاز القرآن الكريم مستمر إلى يوم القيامة 

     لذلك قضية الإعجاز قضية دقيقة جداً فهي في الأصل شهادة الله لرسله أن هؤلاء رسله وأنبياؤه، كانت شهادة حسية فأصبحت شهادة عقلية علمية. الإعجاز العلمي الآن يعد أقوى فرع من فروع الدين في إقناع الطرف الآخر في أحقية هذا الدين، أنا أعتقد أن الإعجاز العلمي يحدث عندك صدمة إيمانية، ومضة إيمانية قوية جداً، الإعجاز العلمي يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، الإعجاز العلمي أمام قدرة الله، إنه أقصر طريق إلى الله وأوسع باب ندخل منه على الله ولكن الإعجاز العلمي نفسه قد يكون أكبر معول يضعضع الإيمان متى؟ حينما يأتي إنسان ضعيف في الشؤون العلمية، ويتنطح بما ليس أهلاً له، يأخذ مقولة علمية لم تتثبت بعد، أو لم يتأكد منها، أو لم تنتقل إلى الحقيقة، بقيت نظرية ويربطها ربطاً متسرعاً ساذجاً بآية، عندئذ نعطي الطرف الآخر فرصة لا تقدر بثمن، الطرف الآخر يأتي وفي مئات المحطات في الانترنيت (المواقع) يأتي وينقض هذه المقولة العلمية نقداً علمياً ثم ينتقل منها لنقض القرآن الكريم، وإذا تتبعت مواقع الانترنيت التي تهاجم الإسلام من هذا الباب، من مقولات بعض غير المتخصصين غير المتعمقين في الشؤون العلمية، فهذا الربط المتسرع بنظرية لم تثبت بعد أو بآية ظنية الدلالة والربط متكلف، غير طبيعي وغير عفوي وغير تام نكون قد هدمنا مبادئ هذا الدين.  

     الإعجاز، كما أنه يرقى بإيمان المؤمن وإيمان غير المؤمن، ويكون أكبر حجة على الآخر، أنا حدثني أحد الأخوة الكرام من اشتغل في الإعجاز أنه ألقى محاضرات للطرف الآخر حول الإعجاز رقم الذين أسلموا يفوق حدّ الخيال عن طريق الإعجاز، لأن هذا العصر لغته لغة العلم، وكل إنسان حصّل من هذا العلم يعتز بهذا العلم ويرى الدين غيبي، وراء الطبيعة، فإذا رأى هذا الدين يأتي بأحدث حقيقة علمية وقد أشار إليها قبل ألف وأربعمئة عام يخضع، الإعجاز أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.  

     أخطر إنسان نصف العالم لا هو عالم فيفيد من علمه ولا هو جاهل فيقبل التعلم، والعلم بأدق تعاريفه علاقة ثابتة بين متغيرين، مقطوع بصحتها يؤيدها الواقع عليها دليل، فلو ألغي الدليل لكان تقليداً، لو ألغي الواقع لكان جهلاً، لو ألغي القطع لكانت وهماً أو ظناً أو شكاً، ما لم يكن التطابق قطعياً، وما لم يكن الدليل واضحاً، وما لم يكن الواقع يؤيده، لهذا أنا أرى وأرجو أن أكون على صواب أن الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، وخط العقل الصريح، وخط الفطرة السليمة، وخط الواقع الموضوعي، أنا ألح على الكلمة الثانية، خط النقل الصحيح، لأن هناك نقلاً غير صحيح، أحاديث مكذوبة، أو موضوعة، أو ضعيفة، وخط العقل الصريح، لأن هناك عقلاً تبريرياً ينقاد لشهوات الإنسان أما العقل الصريح يقود الإنسان، فالحق ما جاء به النقل الصحيح وحي السماء وقبله العقل الصريح وارتاحت له الفطرة السليمة وأكده الواقع الموضوعي، هذا هو الحق. 

     الآيات التي نزلت وكان الإعجاز فيها مستقبلياً تشير إليه الآية:  ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ السين في،  سَنُرِيهِمْ ، كما قال سيدنا علي رضي الله عنه في القرآن آيات لما تفسر بعد. فما آيات الآفاق؟ قال تعالى: 

     ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ أقرب نجم ملتهب إلى الأرض عدا الشمس يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، ونجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية، قفزة واحدة من أربعة إلى أربعة آلاف، ومجرة المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية تبعد عنا، الآن في نجم اكتشف أربعة وعشرين مليار سنة ضوئية، يوجد بهذه الآية كلمة لو تأملها عالم فلكي لخرّ لله ساجداً كلمة مواقع هذا النجم الذي يبعد عنا أربعة وعشرين مليار سنة كان في هذا المكان، وأرسل ضوءه إلى الأرض، وبقي الضوء يقطع في الفضاء الخارجي أربعة وعشرين مليار سنة حتى رأيناه نحن هنا، لكن النجم متحرك سرعته مئتان وأربعين ألف كيلو متر في الثانية أين هو الآن؟ هذا النجم كان في هذا المكان وتابع سيره، هذا موقع النجم والموقع يعني أن صاحب الموقع ليس في الموقع،  ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ ، هذا النجم الذي أطلق نوره من هذا المكان تابع سيره، هذا المكان ليس نجماً، هذا المكان موقع نجم تحول عنه. هذه حقيقة علمية وهذه آية قرآنية تؤكدها. من هنا: قال تعالى:  ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾  العلماء وليس أحد سواهم يخشى الله. 

     ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾  بعمد لا ترونها، هي قوى التجاذب، الله عز وجل لطيف، تمشي أنت داخل قوى التجاذب، في قوى تحكم الأرض نمشي خلالها، هل تستطيع أن تدخل دعامة بناء بوسطها؟ لا تقدر، اسمنت مسلح، هذا البناء محمول على دعائم أما الكون محمول على قوى التجاذب، هذا لطف مع قدرة منقطع النظير سبحان الله والكلام لا ينتهي، هذه عينة، على ضوء ما يسمح به الوقت. 



المصدر: ندوات مختلفة في الجزائر : الندوة - 1 - الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.