بحث

عندما تؤمن بالله

عندما تؤمن بالله

بسم الله الرحمن الرحيم

     إذا كان إيمان المؤمن صحيحاً، فلهذا الإيمان مقتضيات، لا بد من أن تلازم الإيمان، فإذا ادعى أنه مؤمن، ولم يكن مطبقاً لمقتضيات الإيمان، فإيمانه ادعاء لا قيمة له إطلاقاً. من مقتضيات الإيمان:   

 

1. التصديق بكل ما جاء من عند الله:

     أنت حينما نظرت في الكون، فوجدت أن في الكون حكمة، وعلماً، ورحمةً، وخبرةً، وقدرةً، وغنى، وأن هذا الكون لا بد له من خالق عظيم، وأن هذا الخالق العظيم أنزل على رسله الكتب، هذه الكتب من خالق الكون، فالذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن:  ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ وقال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾  أنت متى تصدق بكل ما جاء في القرآن؟ بأنك آمنت بخالق الأكوان، وآمنت بأن هذا القرآن كلامه، فمن البديهي أن تصدق الله بكل ما يقول. الله لم يدع خلقه بلا كتاب ومنهج ينبئهم، لماذا خلقهم؟ وماذا يريد منهم؟. فالتصديق مرحلة تسبقها مراحل، رأيت عظمة الكون، وانتقلت منها إلى عظمة خالقها، ورأيت إعجاز القرآن، وانتقلت منه إلى الذي جاء به، الآن تصدق ما قاله الله في كتابه، وتصدق ما جاء به النبي في سنته،  ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ يعني إن لم تكن هنا على هذا الخط الأول، فأنت على الخط الثاني قطعاً، لأنه ماذا بعد الحق إلا الضلال؟ طريق واحد لا ثاني له، فإن لم تكن أنت على الطريق أنت أين؟ ماذا بعد الحق إلا الضلال؟:  ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾،  إن لم تتبع القرآن الكريم أنت تتبع الهوى.

 

2. طاعة الله وطاعة رسوله:  

     من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تجبه ثم لا تطيعه. لا يعد عابداً لله من أطاعه ولم يحبه، ولا يعد عابداً لله من أحبه ولم يطعه، طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية، هذه العبادة. ما منا أحد على وجه الأرض إلا ويطلب السلامة والسعادة، إلا ويتمنى الفوز المطلق، النجاح، التفوق، التوفيق، التمييز، هذه فطرة الإنسان، الإنسان يحب أن يتناهى في الكمال، فيما يتصور طبعاً، لذلك الله عز وجل يقول:  ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً﴾  الفوز الأكبر أن تطيع الله عز وجل، إيمان بلا طاعة كلام فارغ قال تعالى:  ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾     لذلك: الله عز وجل ربط عطاءه بالعمل.  ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾  المسلم حركي، أما الإسلام السكوني، جالس ببيته، لا يتحرك، لا يقدم شيء، لا يؤدي واجباته، يتابع الأخبار، يقيم الناس، فهذا ليس مؤمناً، الإيمان حركة ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ .  

 

3. أداء الفرائض:  

 

     القلب الذي عمر بالإيمان، تنطلق منه إشارات، لامتثال الأعمال الصالحة، والاجتهاد لأداء الفرائض، وأما من ادعى الإيمان بقلبه، دون القيام بالفرائض، فقد خدعه الشيطان. الفرائض معروفة: أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج البيت. ما عبد الله في الأرض بأفضل من أداء الفرائض.   

 

4. القيام بالواجبات والانتهاء عن المحرمات:  

 

     لا يتم إيمان عبد إلا بقيامه بما أوجبه الله عليه، وانتهاءه عما حرمه الله عليه، طبقاً لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام. فالواجبات: كل أمر أمرَ به النبي عليه الصلاة والسلام فهو واجب، لأن الله عز وجل يقول:  ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ، اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ، كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ))

 

5. المسارعة إلى التوبة:  

 

     المؤمن -كما قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام- مذنب تواب، كل ابن آدم خطاء، وخير الخاطئين التوابون، والآية الكريمة:  ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾     إذاً: المؤمن يسارع إلى التوبة، المؤمن كثير التوبة، المؤمن يتوب من قريب، لا يسمح للذنب أن يتمادى، يتوب فور وقوعه بالذنب. 

6. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:  

     من لوازم الإيمان: بعد أن صدق بما جاء به القرآن، وصدق بما جاء به النبي العدنان، وبعد أن أطاع الله بكل ما أمر، وبعد أن أدى الفرائض، وأدى الواجبات، الآن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهي الفريضة السادسة، بل إن علة خيرية هذه الأمة: أن تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي اللحظة التي لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر فقدنا خيريتنا، أصبحنا كأية أمة خلقها الله عز وجل،  ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾  ما هو المعروف؟ تعريف المعروف دقيق، يعني الفطرة السليمة تعرفه ابتداء، الفطرة السليمة تعرفه بداهة، الفطرة السليمة تعرفه من دون تعليم، المعروف أن تكون زوجاً صالحاً، أن تكون بائعاً صادقاً، أن تكون صانعاً متقناً، أن تكون صادقاً إذا تكلمت، أن تكون أميناً إذا عوملت، أن تكون عفيفاً إذا ثارت شهوتك، هذا المعروف، ما تعارفت عليه الفطر السليمة. كل شيء يقربك إلى الله عز وجل فهو معروف، وكل شيء يبعدك عن الله عز وجل فهو منكر، كل شيء تعرفه الفطر السليمة معروف، كل شيء تنكره الفطر السليمة منكر.  قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ))  وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ، أَوْ ليوشكن الله عَلَيْكُمْ عقاباً منه، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَيبُ لَكُمْ)).  

 

7. الدعوة إلى الله:

 

     قال تعالى:  ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾  فإن لم تدع إلى الله على بصيرة، فأنت لست متبعاً لرسول الله، الآية الكريمة:  ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ يعني لا تجد على وجه الأرض إنساناً أفضل.  ومن كرم الله: أنه من دعا إلى هدى، كما قال عليه الصلاة والسلام:  ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا)) كل أعمال هذا الذي اهتدى على يديك إلى يوم القيامة، كل أعماله وأعمال ذريته إلى يوم القيامة في صحيفة الذي هداه إلى الله، ما من عمل على وجه الأرض يفوق أن تكون سبباً في هداية إنسان، لأنه:  ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ ،    قال صلى الله عليه وسلم لعليّ كرم الله وجهه:  ((فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ الدنيا وما فيها)) .

 

8. موالاة المؤمنين والتبرؤ من الكافرين:  

 

     الولاء: الحب، والود، والمناصرة، والتأييد، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين،  ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ ، ولاؤك يعني محبتك، مناصرتك، تأييدك، تمنياتك بالنصر، ألمك لما يصيب المسلمون، تبرؤك وغضك ونفورك من أهل الكفر والمعصية، هذا من لوازم الإيمان، أما إذا أحببت الكفار، وكرهت المؤمنين، فهذا من نواقض الإيمان، أما إذا أعنت الكفار، وخذلت المؤمنين، فهذا من الأعمال الكبيرة، أما إذا أعنتهم على قتل المؤمنين، فهذا من الأعمال الإجرامية، من لوازم الإيمان موالاة المؤمنين، ولو كانوا ضعافاً، ولو كانوا فقراء ، والتبرؤ من الكفار، ولو كانوا أقوياء وأغنياء، الله يقول:  ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾      إن الله يحبنا أن نوالي بعضنا بعضاً، أن نتعاون، أن نتواصل، أن نتزاور، أن نتناصح، أن نتبادل فيما بيننا، هذا الذي يحبنا الله من أجله.   

     العقيدة أخطر شيء في الدين: إن صحت صح العمل، وإن فسدت فسد العمل، العقيدة ميزان، والخطأ في الميزان لا يصحح، بينما مفردات الشريعة وزن، والخطأ في الوزن لا يتكرر.  

     يعني: إنسان وقع في شبهة، أو وقع في بدعة، أو وقع في عقيدة فاسدة، أن يتوب منها، لكن سهل جداً لو كان الخطأ سلوكيًا تتوب منه، التوبة من خطأ سلوكي سهلة جداً، أما التوبة من عقيدة فاسدة -والعياذ بالله- فصعبة جداً، لأن الذي فسدت عقيدته، يتوهم أنه على صواب وحده، وأن ما سواه مخطئ 



المصدر: العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 03 - مقتضيات الإيمان