بحث

بذاءة اللسان ليست من أخلاق المؤمن

بذاءة اللسان ليست من أخلاق المؤمن

بسم الله الرحمن الرحيم

     لا شك أن من أخص خصائص المؤمن طهارة لسانه، انضباط لسانه، لا يمكن أن يكون المؤمن فاحشاً في كلامه، فالفحش والبذاءة، والمزاح الرخيص والمزاح الجنسي، والكلام الملغوم والتعليقات المستقبحة، والفجور لا يمكن أن تكون في المؤمن، فإن كانت فهناك شك في إيمانه. البذاءة اصطلاحاً هي التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة.  ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)) وقد عدّ بعض العلماء من آفات اللسان ما يزيد على عشرين آفة:  ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً)) السيدة عائشة وصفت أختها صفية بأنها قصيرة فقال عليه الصلاة والسلام:  ((يا عائشة، لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته)) 

     الآن هناك علوم مستحدثة، منها علم الطباع، ترى طفلاً هادئاً، طفلاً حركته شديدة، طفلاً وديعاً، طفلاً قاسياً، هذه طباع، تجد مؤمناً هادئاً، مؤمناً حاد المزاج، كلاهما على العين والرأس، تجد مؤمناً اجتماعياً، ومؤمناً يميل إلى العزلة، كلاهما على العين والرأس. يقول عليه الصلاة والسلام:  ((يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة)) الكذب والخيانة يتناقضان مع الإيمان، مثال: أنت ما في ببيتك شيء، جاءك ضيوف، ولا تستطيع أن تغادر البيت كي تحضر لهم الضيافة، وجدت في الثلاجة نصف كيلو لبن، وهم خمسة عشر، يمكن أن تضيف خمسة أضعاف من الماء، والشراب مقبول وطيب، لكن لو أصاب هذا اللبن قطرة بترول واحدة لن تستطيع أن تأكله، خمس أمثال قبلها، وقطرة بترول واحدة لن تستطيع أن تأكلها، لأن البترول يتناقض مع الطعم الطيب، أما الماء فيمدده. يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: "  إن السب والفحش وبذاءة اللسان مذمومة ومنهي عنها، ومصدرها الخبث واللؤم، والباعث عليها إما قصد الإيذاء، وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق ". 

     لذلك هناك طباع كثيرة، وأنماط سلوك عديدة، وتصرفات كثيرة، كلها مقبولة، وهناك تنوعٌ في الحياة، والله عز وجل جعل الإنسان فرْدًا ليس له مثيل لكرامته، إلا أن هناك صفات تتناقض مع الإيمان أصلاً، فلو وُجِدت لانعدَم الإيمان، لذلك بذاءة اللسان أن تسمي الأشياء المستقبحة بأسمائها الصريحة، أن يكون المزاح جنسياً، أن تسمى العورات بأسمائها، أن يكون السباب بالعورات، أن يكون التعليق قاسياً، أن يكون الكلام ملغوماً، أن تستخدم الكنايات في الأمور الجنسية، أؤكد لكم أن هذا ليس من صفات المؤمن، المؤمن طاهر اللسان. مَن قدوتنا؟ ربنا، دقق، قال تعالى:  ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ﴾  ينطوي وراء ذلك كل أنواع الانحراف الجنسي، أرأيت إلى دقة هذه العبارة وروعتها وأدبها؟ النبي عليه الصلاة والسلام في كل أقواله كان عفيف اللسان، رأى إحدى قريباته ترتدي ثياباً شفافة، تشفّ عنها، قال:  ((يا بنيتي، إن هذه الثياب تصف حجم عظامك)) كلمة عظام لا تثير الشهوة، امرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت رثة الهيئة، فلما سئلت من قبل السيدة عائشة قالت لها: إن زوجي صوام قوام، النبي استدعاه، ونصحه، فجاءت بعد حين إلى السيدة عائشة جاءت عطرة نضرة متألقة، فقالت: ما الذي حلّ بكِ؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس. 

     انظر إلى العبارة، من صفات المؤمن طهارة اللسان، وقال بعض العلماء: البذاء هو الفحش والقبح في المنطق، وإن كان الكلام صدقاً، وإن كان صدقاً فيه إثم. وإذا لزم الوقح البذاءة كان وجود الخير منه معدوماً، والحياء من الإيمان، من لا حياء عنده لا إيمان عنده، الحياء والإيمان قرنا جميعاً. المؤمن يستحي، يستحي من الله، يستحي ممن حوله، عندنا شيء اسمه انحرافات أخلاقية ضمن البيت، وبين المحارم هذه أسبابها عدم التقيد بأحكام العورة، دائماً وأبداً أحكام الشريعة ضمان لسلامتنا، وليست حداً لحريتنا، بحكم دراساتي النفسية أكثر انحرافات الأولاد الأخلاقية سببها عدم تقيد الأب والأم بقواعد الشرع، في لقاءاتهم الزوجية، لذلك في القرآن الكريم لا يمكن للطفل أن يدخل على أمه وأبيه قبل صلاة الفجر، وبعد صلاة الظهر، وبعد صلاة العشاء إلا بإذن، لأنها أوقات مظنة لقاء، هذه الأوقات مظنة تخفف من الثياب، ودائماً وأبداً الشيطان يعري الإنسان، والرحمن يلبسه الثياب، والتعري يرافق المعاصي والآثام. 

     أنا أعجب أشد العجب من إنسان يصف زوجته للناس، يمكن أن تقول: من فضل الله لي زوجة صالحة، هذا أقصى شيء، أحدُهم ويبالغ في وصف جمال زوجته، هذا من قلة المروءة، التصريح بالكلمات الفاحشة فحش، وينبغي الكناية عنها، وأكثر ما يكون هذا في ألفاظ الوقاع، وما يتعلق به، فإن لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها، أما أهل الصلاح فإنهم يتحاشون عنها، بل يكنون عنها، ويدلون عليها بالرموز، فيذكرون ما يقاربها، ويتعلق بها، ألم ترّ أن الله عز وجل كنى باللمس عن الجماع بقوله:  ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾.  مثلاً: لو انتهى إلى سمعك خيانة زوجية، وتفاصيل مثيرة، هذه قصة حينما تروى كثيراً في الأوساط ندخل الناس بدائرة الفحش، بصراحة منهي أن تذكر قصص الفحش، أنت لم تعمل شيئاً، أنت طاهر سليم معافى مستقيم ورع، لكن تروي قصصاً، هذه قصص مثيرة جداً تثير الحاضرين، ويوجد شباب، وأطفال وكبار وصغار:  ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾  القصص التي لا يمكن أن تلقى على مسامع الناس ينبغي أن تكون بين شخصين محدودية النشر، وهناك شعوب تحب الفضائح، ببعض البلاد صحف يومية خاصة بالفضائح، وهناك شعوب تحب الفضائح، وإسلامنا العظيم ينهى عن نشر الفاحشة. 

     هناك بالفن والأدب، الأدب فن من أرقى الفنون، هو التعبير المثير عن حقائق الحياة، وهناك مقولة أنه يمكن أن تصور الرذيلة، لا مانع، وهناك قصص تصف انحطاط الإنسان، لكن الشرط أن تُصور الرذيلة على نحو نشمئز منها، فإذا صورت على نحو نعجب بها ينهار مجتمع بأكمله، الأعمال الفنية الآن القصص، التمثيليات، حينما تُظهر الانحراف الأخلاقي على أن صاحبه مستمتع بالحياة هو الذي يعيش على هوى نفسه، وقد تأتي الموعظة بكلمة تقال في آخر المشهد، لكن طوال المشهد صورت هذه الرذائل على نحو نعجب منها، فإذا صورت الرذائل على نحو نعجب بها فإن مجتمعاً بأكمله قد ينهار، لذلك قالوا: إذا قرأت قصة أو قصيدة أو حوارية أو مسرحية، و شعرت أنها حركت مشاعرك العليا وتفكيرك المرتفع فأنت أمام فن رفيع، أما إذا لم تحرك إلا التافه من مشاعرك والمنحط من تفكيرك فأنت أمام فن رخيص 

     إنّ فعل الفن الرخيص في المجتمع فعل مدمر، أدبوا أولادكم على محبة نبيكم، ومحبة آل بيته، المؤمن يملأ نفسه، أصحاب رسول الله الأبطال، وصدقوا أيها الإخوة حينما نتحدث عن صحابي جليل، وعن عالم جليل، وعن بطل مقدام، وعن إنسان شهم، وعن إنسان مضح ترتفع معنوياتنا جميعاً، وبذكر الصالحين تتعطر المجالس، المعنى المخالف: وبذكر المنحرفين تتعكر المجالس، اجلس جلسة، وافتح ملف الأخطاء، أخطاء الناس، هذا منحرف، هذا حرامي، هذا اعتدى على عرض صديقه، هذه فاسقة، هذه تزني بغياب زوجها، تجد المجتمع أصبح كحثالة، مستنقع آسن، لا تستطيع أن تقف عندئذ، فلذلك أنا أنصحكم بالمجالس الخاصة، ابتعدوا عن نشر الفاحشة، ابتعدوا عن نشر الأخطاء تُحطم، وتنشر يأساً، وإحباطاً، بذكر الصالحين تتعطر المجالس، و بذكر المنحرفين تتعكر المجالس. 

     الآن لا يوجد قصة إلا فيها خيانة، أو سرقة، أو عدوان، أو إنسان لئيم قلبه كالصخر لا يرحم، هذه القصص إذا انتشرت تسبب إحباطاً، وهبوطاً للمعنويات، لذلك قالوا: ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله فيه إلا غشيتهم الرحمة، التجلي بالجلسة، نحن مسرورون جداً، غشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، وما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا قاموا عن أنتن من جيفة حمار. 

     لا شك أن بذاءة اللسان دليل ضعف الإيمان وقلة الدين، وأن بذاءة اللسان دليل خبث الطوية، وأن بذاءة اللسان يحتاج صاحب اللسان البذيء إلى أن يعتذر كثيراً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:  ((إياكم وما يُعتذر منه)). 

     من الآيات التي فيها ذم للبذاءة:  ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾  وقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾  ورد في بعض الأحاديث أن:  ((الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء ـ من البعد عن الله، والجفاء في النار)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء))  يبغضه. أنت أمام فضيلة عالية جداً، أن تجعل لسانك نظيفاً. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:  ((إن المرأة تذكر أنها تكثر من صلاتها، وصيامها، وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار))



المصدر: الأخلاق المذمومة : الخلق 04 - البذاءة