بحث

خصائص الإيمان

خصائص الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

أولاً: الإيمان يمنح المؤمن أمنه العقدي:  

      المؤمن يتمتع بحالة لا يتمتع بها إلا هو، الأمن العقدي لن يظهر شيئاً في الحياة لا فكر، ولا علم، ولا اختراع، ولا شيء يتناقض مع القرآن الكريم، لأنه من عند خالق السماوات والأرض، أوضح مثل أنت راكب أحدث طائرة في العالم، وبالدرجة الأولى، والمقعد وثير، والمجلات أمامك، والقنوات أمامك، والأشربة المنوعة، والطعام الساخن النادر من صنع أكبر الطباخين، وكل شيء يدعو للرفاه والمقعد يكون سريراً كاملاً، تنام ساعات طويلة نوماً عميقاً وأنت في أطباق الجو، وتفتح القرآن الكريم  لتقرأ قوله تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً (8)   

      وازن بين ركوب حمار وركوب طائرة، أكمل: وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)   

      الطائرة دخلت، واليخت دخل، والقطار دخل، والمركبة دخلت، والسيارة دخلت، كلام خالق السماوات والأرض.  

      إذاً يتمتع المؤمن بحالة أمن عقدي، لعل الفكرة واضحة لن يظهر شيئاً يلغي آية قرآنية، لن تظهر حقيقة تلغي وحي السماء، لن يظهر اكتشاف يلغي كلام الله، كلام الله عز وجل من عند خالق السماوات والأرض الذي علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، مثلاً الله عز وجل جعل رسالة النبي عليه الصلاة والسلام خاتمة الرسالات، وبعثة النبي خاتمة البعثات، والقرآن الكريم خاتم الكتب، ودعوة النبي لكل الأمم والشعوب من دون استثناء لكل البشر جميعاً، لكل القارات إلى نهاية الدوران لماذا؟ لأن الله علم أنه سيكون هناك تواصل، الآن الأرض سطح مكتب، أينما ذهبت إلى أمريكا، إلى استراليا، إلى فرنسا، إلى ألمانيا، إلى إفريقيا، إلى غينيا، ترى كل شيء في الأخبار كأنك في دمشق، لا يوجد شيء يمكن أن يحجب عن الإنسان، فصارت الأرض سطح مكتب، كانت خمس قارات، القارة بلد كبير عاصمة، مدينة، قرية، بيت، غرفة، سطح مكتب،   

       لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار   

      هذا الأمر أمر الدين ما بلغ الليل والنهار، أينما ذهبت في إذاعات إسلامية، في صحف إسلامية، لي موقع في الانترنيت، مرة سافرت إلى مدينة في جنوب استراليا مالبن وزرت جامعتها تفاجئت أمين مكتبة رحب بي ترحيباً يفوق حدّ الخيال لا أعرفه، ثم أكد لي أنه يتابع موقعي في الانترنيت، الآن أنا أذهب لا آخذ معي شيئاً أعطي عنوان الانترنيت الخطبة، ودرس التفسير، ودرس الأحد، ودرس السبت على الانترنيت صورة وصوت، كل محاضراتي بالفضائيات على الانترنيت، بأي مكان في العالم، البارحة زارنا أخ من كندا، قال أنا أتابع الدروس كلها التي تلقى هنا، الأرض أصبحت مكاناً واحداً.  

ثانياً: الإيمان يتوافق مع الفطرة:  

      لذلك رغم التقدم المذهل يسمى الآن الانفجار المعلوماتي، عصر التواصل، التواصل بكل شيء، يعني معك هاتف جوال عدة أزرار تحاكي شخصاً بكندا كأنه معك، عندك فاكس تعمل رسالة خلال ثانية تكون في أقصى بلاد الدنيا، في تواصل لأن الله عز وجل علم هذا التواصل فجعل رسالة النبي خاتمة الرسالات، لأن مضمون الكتاب والسنة طار في الآفاق، أول نقطة في الإيمان أن الله عز وجل فطرنا، جبلنا، برمجنا بالتعبير المعاصر ولفنا على منهجه، أمرك بالصدق تحب الصدق، أمرك بالأمانة تحب الأمانة،   

       لذلك قال تعالى: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)    

      أكبر إنجاز أن نفسك ترتاح لمنهج الله، ترتاح لأوامر الله، تتألم لو فعلت شيئاً يخالف منهج الله.  

       لذلك ورد في القرآن: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ (157)    

      ما معنى معروف؟ من يعرفه؟ أي إنسان، الفطرة السليمة تعرفه، لذلك قالوا المعروف ما عرفته الفطر السليمة ابتداءً، والمنكر ما أنكرته الفطر السليمة ابتداءً، أول نقطة في الإيمان: حقائق الإيمان، مناهج الرحمن، الأمر، النهي، افعل لا تفعل، الفرض، الحرام، الحلال، المباح، أنت وفق هذه المنظومة من القيم قد برمجت نفسك لذلك من هو أسعد الناس؟ الذي يصطلح مع نفسه، أنت حينما تطيع الله عز وجل  تصطلح مع نفسك،   

      للتقريب، راكب سيارة حديثة جداً أما الطريق وعر، حجار، حفر، صخور، أكمات، غبار، تراب، تسمع أصواتاً يقول لك: السيارة تكسرت، هي مصممة لطريق معبد، خذها إلى طريق معبد انسيابي، صوت ناعم، سرعة عالية، هذه مصممة لهذا الطريق، فأنت تعرف كل قيمتها بهذا الطريق، لم تعرف قيمة سيارة ثمنها خمسة وعشرين مليوناً بطريق وعر لا تمشي تسمع تكسير، تسمع أصوات لا تحتمل، تضطرب، فلذلك النفس البشرية حينما تصطلح مع الله عز وجل تماماً كمركبة حديثة جداً مصممة لطريق معبد، مشيت بها بطريق غير معبد، فانزعجت منها انزعاجاً كبيراً، فلما انتقلت بها إلى الطريق المعبد ارتاحت، هذا الوضع.  

      الإيمان متوافق مع الفطرة لذلك قالوا: الإسلام دين الفطرة، تلاحظ ملاحظة تجد الأخ المؤمن مرتاح، في ظروف صعبة، في تهديدات، في مشكلات منطقة تغلي غلياناً، ما في شيء واضح، الغرب يتهددنا:  

       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا  

      خمس دول إسلامية محتلة، الثروات منهوبة، الشباب يقتلون، الكذب والدجل، الإسلام متهم، حرب عالمية ثالثة على الإسلام، تجد مؤمناً ما عنده شيء لكن مرتاح لأنه تحرك حركة تتوافق مع فطرته، ما كذب، ما أكل مالاً حراماً، ما غش، عنده إحساس عميق أن خالق السماوات والأرض يحبه، وكل شيء بيد الله عز وجل، والله أيها الأخوة، هناك شيء غير مرئي بالعين لو أخ عادي لكن هذا الأخ العادي لأنه اصطلح مع الله، وعرف منهج الله، وسار في طريق يرضي الله، يحس بثقة بالله، وأمن، وطمأنينة، وسعادة، ورضا، وسكينة، واستقرار، لو وزع على أهل بلد لكفاهم.  

      أول حقيقة خصائصك النفسية، فطرتك، برمجتك، متوافقة تماماً مع منهج الله فحينما تصطلح مع الله، وتطرق باب الله، وتخطب ود الله، تحس براحة لا يعرفها إلا من فقدها، هذه أول حقيقة الإيمان متوافق مع نفسه، أما الكفر متنافر، أقنعوك أنه لا إله، يأتي خطر داهم أنت ضعيف تحتاج إلى جهة تلتجئ إليها لا يوجد، تحتاج إلى جهة تعتمد عليها، أحياناً تأخذ رأيها، لا يوجد، دقق:  

       قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)   

      تصور ابن له أب كبير علماً وقدراً ومالاً، له غرفة خاصة، البيت منظم تماماً، وجبات الطعام درجة أولى، ثيابه جيدة جداً، في خدمات في البيت عالية جداً، أب دقيق يتابع دراسته وتحصيله، وتصور ابناً مشرداً من ملجأ إلى ملجأ، من سجن إلى إصلاحية، غارق بالمعاصي والآثام والسرقة والفواحش.  

       ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)   

      لك مولى هو الله، لك مرجعية، تجد حياة المؤمن مستقرة لماذا؟ هناك سبب أنه يطبق منهج الله، لا يوجد عنده شيء مدمر، دخل إلى ملهى أعجبته الراقصة تزوجها، في اليوم مئة اتصال، لها زبائن، ما تحمل، طردها ثم حنّ إليها طلبت منه مبلغاً فلكياً يضاف إلى مهرها كتب، ثم تركته، فوجئ بدعوى تطالبه بالمهر، ما معه فذهب إليها وإلى أمها أطلق عليها وعلى أمها الرصاص، وأطلق على نفسه الرصاص، لم يموتا بل مات هو.  

      دمر، لأنه مشى غلط، أما أنت مؤمن تطبق منهج رسول الله: فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ   

      تأخذ بنت الحلال، بنت عائلة محترمة، مرباة تربية عالية، تخاف الله، تسرك إذا نظرت إليها، تحفظك إذا غبت عنها، تطيعك إن أمرتها، تنجب لك أولاداً يملؤون البيت فرحة وبهجة يعني: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)   

ثالثاً: الإيمان خطاب ديني شمولي شمل القلب و العقل و الجسم:  

      الآن أحياناً هناك رسوم كاريكاتيرية إنسان رأسه كبير وجسمه ضئيل لا يوجد توازن، أي منهج أرضي قد يركز على القلب فقط، وهناك منهج آخر على العقل، إنسان عقله كبير وزنديق والثاني طيب جداً لكن جاهل، لكن الشيء الدقيق أن القرآن الكريم، الدين، الإيمان، خاطب عقلك، وخاطب قلبك، وأمرك أن تعتني بجسمك، خطاب ديني متوازن، خطاب ديني شمولي، هناك خطاب للعقل والعقل غذاؤه العلم، خطاب للقلب والقلب غذاؤه الحب، و خطاب بأن تعتني بجسمك، نفسك مطيتك فارفق بها، إذاً في توازن لا يوجد شيء على حساب شيء، صار أول خصيصة في أمن عقدي، الخصيصة الثانية توافق الإيمان مع الفطرة، الخصيصة الثالثة في تلبية جوانب الإنسان الثلاثة، جانب عقله بالعلم، وجانب قلبه بالحب،   

       لذلك قال تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54)   

      يوجد حب بالإسلام،   

       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً  

       قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ (165)    

      من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله  ومنع لله، فقد استكمل الإيمان.  

رابعاً: الإيمان يعتمد على حاجات الإنسان:  

      الآن الإيمان معه خصيصة أنه يعتمد على حاجات الإنسان، الله عز وجل جعلك ضعيفاً لحكمة بالغة بالغة، ما قولك عندك حاسوب صناعي ثمنه خمسين مليوناً والتيار غير منتظم فجاءت ومضة كهربائية أحرقته ما رأيك؟ لكن في قطعة بهذا الحاسوب اسمها فيوز هي وصلة كهرباء ضعيفة جداً فلو جاء التيار فوق المئتين وعشرين يسيح السيخ، ينقطع التيار، يسلم الجهاز، ألا ترى أن هذه القطعة سليمة جداً، أن المصمم بأعلى درجة من الذكاء هكذا فعل الله عز وجل،   

       قال تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)   

      لو لم تكن ضعيفاً لا تتوب إلى الله، لو لم تكن ضعيفاً لا تسعى لجنة عرضها السماوات والأرض، لذلك الإنسان يكون بشبابه أرعن بالخمسين يبدأ يصلي، يقول سوف أموت ماذا في القبر؟ ماذا بعد الموت؟ فالله عز وجل فضّل علينا بأن جعلنا ضعافاً، اسمعوا هذا الكلام الدقيق، جعلك ضعيفاً كي تفتقر بضعفك فتسعد بافتقارك، ولو جعلك قوياً لاستغنيت بقوتك فشقيت باستغنائك،   

       لذلك قال تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)   

      أفضل ألف مرة تكون إنساناً متواضعاً لله عز وجل تعرف قيمة نعم الله من أن تكون متعجرفاً ترى نفسك فوق الناس، من هو الأحمق؟ الذي يرى أن له ما ليس لغيره، وأن على غيره ما ليس عليه هذا العنصري.  

      العالم الآن إنساني وعنصري، لا تستغربوا بدءاً من الزوج حينما ترى لنفسك ما ليس لها، وحينما ترى عليها ما ليس عليك، عليها أن تحترم أمك، أما أنت حينما تسخر من أمها لك الحرية، أنت عنصري، أنا سأبدأ بزوج عنصري وسأنتهي بحق الفيتو عنصري، لماذا خمس دول في الأرض إذا قالت لا انتهى القرار؟ من هي؟ لماذا لما ترتدي الفتاة ثياب السحاقيات في أمريكا والمدير يمنع هذه الفتاة يقيم والد الفتاة عليه دعوى يربحها والقاضي يحكم له بمبلغ فلكي؟ ثياب الشاذات لما منعها المدير والد الفتاة أقام دعوى على المدير وربح الدعوى ودفع الإدارة مبلغاً فلكياً، أما طفلة صغيرة وضعت قماشة على رأسها تنفيذاً لدين يدين به ربع سكان الأرض يؤكد العفة والطهر والعفاف تقوم الدنيا ولا تقعد، هذا عالم، هذا مجتمع يحترم؟ من حق الفتاة أن ترتدي ثياب السحاقيات، ثياب الشاذات، والشذوذ محرم في كل شرائع السماء، أما فتاة مسلمة تضع على رأسها قطعة قماش تقوم الدنيا ولا تقعد، هذا مجتمع بشري يستحق الاحترام؟   

الأرض تقترب من الدين:  

      أول نقطة في الإيمان أنه متوافق مع الفطرة، أول نقطة في الإيمان يعمل لك أمن عقدي، ما في أي مفاجأة،   

لن يظهر شيئاً يتناقض مع القرآن لأن هذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لذلك الأمن العقدي تتمتع بحالة أمن عقدي طول حياتك،  بالعكس تفاجأ أن المعسكر الشرقي قبل انهياره حرم الخمر، معنى ذلك أنه وجد أن هذا المشروب يعيق تقدم الأمة، يشل حركة أبنائها، الاتحاد السوفيتي قبل انهياره بخمس سنوات الخمر محرمة تحريماً مطلقاً عنده، وكذلك يوجد فترة من الفترات تم منع بيع الكحول في أمريكا لما فيه من ضرر، تتفاجأ الآن دعوة كبيرة جداً في أمريكا لإنشاء الجامعات من دون اختلاط، ثلاثمئة وخمسين ألف لقيط بحدائق الجامعات في أمريكا، الآن هناك دعوة قوية جداً لإنشاء جامعات ليس فيها اختلاط، تجد مع تقدم الزمان الأرض تقترب من الدين لا لأنهم آمنوا بالله، أبداً، لأنهم آمنوا بالمال، آمنوا بالنجاح في الدنيا، فنجاحهم في الدنيا يقتضي ذلك، أنت سوف ترى كلما تقدمت الحياة بذكاء معين الإنسان يقترب من الدين في أمن عقدي، توافق مع الفطرة، واضح تام في خصائص الإيمان، لذلك المؤمن يعطي لله، يمنع لله، يصل لله، يقطع لله، يرضى لله، يغضب لله.  



المصدر: العقيدة - حقائق الإيمان والإعجاز - الدرس (02-30) : الأمن العقدي وتوافق الإيمان مع الفطرة و تلبيته لجوانب الإنسان - المنهج الرباني للتفكر