بحث

محمد صلى الله عليه وسلم نبي أم عبقري

محمد صلى الله عليه وسلم نبي أم عبقري

بسم الله الرحمن الرحيم

     أعداء الإسلام يصفون النبي عليه الصلاة والسلام بأنه عبقري، يعني متفوق في ذكائه، واستطاع بما أوتيّ من عبقرية أن يجمع الناس حوله هذا ادعاء أعداء الإسلام، ولكن النبوة شيء والعبقرية شيء آخر.

العبقري له سقطات:  

     الفرق بين النبوة والعبقرية، أن الإنسان العبقري مهما كان ذكاؤه حاداً، مهما تكن قدراته كبيرة، هو إنسان نجد في كلامه بعض السقطات، فإذا كان الموضوع موضوع عبقرية فلا يخلو عبقري من سقطة في فكره أو في تعبيره، وهذا مما بُريء منه النبي عليه الصلاة والسلام، أيضاً تاريخ العظماء في العالم يؤكد لنا أن هناك بعض السقطات الخُلُقية:  

     "جان جاك روسو" الذي درسنا عن نظرياته في الجامعة له انحرافات خلقية شاذة.  

     أحد علماء نفس الطفل يُعدُّ أول عالمٍ في العالم، إن مُعظم كتبه تدرس في أكثر جامعات العالم، قال عنه بعض من التقاه: إنك إذا حدثّته في موضوع آخر غير اختصاصه بدا لك وكأنه طفل.  

     العالم " فرويد " هذا من كبار العلماء في علم النفس، فسّر الحياة كلها تفسيراً جنسياً لدرجة أن ما جاء به من نظريات يدعو إلى الضحك والسخرية، فالأنبياء على حد زعمه مصابون بانحراف خلقي، لأنهم يرغبون أن يجلسوا مع الرجال لا مع النساء رأي هذا العالم الخبير.  

     "دارون" جاء بنظرية تغيير معالم الكتب المقدسة: أن أصل الإنسان قرد وهذا مما ثبت بطلانها، ولكن أراد بهذه النظرية أن يُهوّش على المسلمين وغير المسلمين عقائدهم الدينية.  

     إذاً: العباقرة بمقياس البشر، لابد من أن يكون في أفكارهم أو في أخلاقهم أو في أقوالهم سقطات، وهذه السقطات لا تجعلهم مؤهلين أن يبلغوا الناس الشرع الإلهي، إذن العبقرية شيء والنبوة شيء آخر.  

العبقري أفكاره من بيئته:  

     الإنسان هو الإنسان ينظر إلى الشيء من وجهة نظرٍ خاصة، فإذا كان هذا العبقري ذا منبت طبقيّ فقير رأى الأمور بمنظار الفقراء، ولو كان هذا العبقري ذا منبت من نوع آخر لرأى الأمور من زاوية معينة، فالإنسان يصعب أن يكون حيادياً إذا نظر وإذا فكّر وإذا شرّع، لا بد من أن ينظر إلى الأشياء من وجهة نظر خاصة، ولا بد أن ينحاز إلى جهة دون أخرى، ولا بد من أن يرعى مصالح فئة دون أخرى، لو أن النبي إنسان عبقري لما كان شرعه كاملاً، النبي إنسان اصطفاه الله سبحانه وتعالى ليُبلّغ الخلق شريعة ربّ العالمين، هذه الشريعة من عند حكيم خبير، من عند خالق لا من عند مخلوق، فلو أن الشريعة من عند مخلوق لحابت أناساً دون أناس، لنظرت من وجهة خاصة دون وجهة أخرى.  

العبقري لا يمكن أن يضع تشريعاً صالح عبر العصور:  

     إذا اشتريت سيارة، ومع هذه السيارة نشرة دقيقة توضح لك طريقة استعمالها، وطريقة قيادتها، وطريقة صيانة أجهزتها، ومتى يجب أن تزودها بالوقود والزيت، ومتى يجب أن تغير بعض القطع المستهلكة استهلاكاً شديداً، أي إنسان مؤهل أن ينصحك في هذا الموضوع أفضل من صانع السيارة؟ قال تعالى:  ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾  أريد أن أصل إلى حقيقة: أن الإنسان مهما كان عبقرياً، مهما كان موضوعياً، مهما كان نزيهاً، ليس مؤهلاً أن يضع تشريعاً للناس، لأنه لا بد من كبوة، لا بد من سقطة في خلقه، لكن النبي عصمه الله سبحانه وتعالى من الغلط بكل أنواعه، اصطفاه على علم، وأوحى له بالهدى، وأمره بالتبليغ وعصمه من كل غلط، لذلك يُعد ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام مصدراً تشريعياً للناس.  

العبقري يستحيل أن يُلم بكل جوانب الحياة:  

     يستحيل أن يُلم العبقري بكل جوانب الحياة، فهذا عبقريته عسكرية، وهذا عبقريته سياسية، وهذا عبقريته في الأخلاق، وهذا عبقريته في التشريع، وهذا عبقريته مثلاً في الفكر، وهذا عبقريته في النظريات المجردة، فكل عبقري نمت عبقريته في جانب من جوانب الحياة، لكن النبي لأن الله اصطفاه، ولأن الله أوحى إليه، فكل ما جاء به متوازن يُغطي كل مناحي الحياة، كل نشاطاتها، كل اتجاهاتها، هذا من عظمة الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم الله لنا.  

قد يسأل سائل: لما لم يكن البشر بحاجة إلى أنبياء يحملون للناس المعارف والعلوم الكونية؟   

     يا ترى القرآن كتاب رياضيات؟ لا، كتاب فيزياء؟ لا، كتاب كيمياء؟ لا، كتاب فلك؟ لا، كتاب علم اجتماع؟ لا، الكتب السماوية التي جاء بها الأنبياء ليست كتباً علمية تحمل المعالم والمعارف الكونية، حكمة ذلك: كلكم يعلم أن الإنسان فيه ثلاث دوافع: دافع البقاء ودافع إلى بقاء النوع ودافع إلى بقاء الذكر.  فبدافع البقاء نأكل ونشرب، وبدافع بقاء الجنس بقاء النوع نتزوج ونتوالد، وبدافع بقاء الذكر نعمل أعمالاً لتخلد أسماءنا، فكل إنسان ينطوي على هذه الدوافع، فبحكم هذه الدوافع يسعى لإعمار الأرض من أجل أن يأكل. لو أن دافع الجوع غير موجود في الإنسان لما وجدت على الأرض شيئاً، لماذا العمل؟ لا أحد يعمل، بدافع الجوع يدفع الناس إلى العمل، والعمل يتبعه الخبرة، والخبرة تعمق العمل، فالإنسان بحكم دوافعه الفطرية سيتعلم العلوم الأرضية، لأن هذه العلوم الأرضية هدفها إعمار الأرض فقط، وهذه العلوم الأرضية لا تنفعه بعد الموت، تنتهي كل إنجازاتها في الحياة الدنيا، لكن الناس بحاجة إلى أن يعرفوا ربهم، وأن يعرفوا مهمتهم، وأن يعرفوا علّة خلقهم، وأن يعرفوا هدفهم، جاءت الكتب السماوية لتعرف الإنسان بربه، جاءت لتعرفه بمهمته، جاءت لترسم له طريق السعادة، جاءت لتطرح عليه أوامر الله عزّ وجل ونواهيه، القرآن كتاب هداية ورشد وليس كتاب علوم، لكن أحياناً في لفتات إلى بعض أصول العلوم وليست الفروع مذكورة، فلذلك بُنيت الشرائع على إصلاح النفوس، وعلى تعريفها برب السماوات والأرض، وحملها على الالتزام بتطبيق أوامره، واجتناب نواهيه.  



المصدر: العقيدة الإسلامية - الدرس : 28 - الموازنة بين النبوة والعبقرية