بحث

مستشرقين أم مفترين

مستشرقين أم مفترين

بسم الله الرحمن الرحيم

     نفراً من المستشرقين يأتون بعد أكثر من ألف وأربع مائة عام من ذلك الزواج فيهدرون فروق العصر والإقليم، ويطيلون القول فيما وصفوه بأنّه الجمع الغريب بين الكهل والطفولة، ويقيسون بعين الهوى زواجاً عُقد في مكّة قبل الهجرة بما يحدث اليوم في بلاد الغرب حيث لا تتزوّج الفتاة عادة قبل سنّ الخامسة والعشرين.   

     وأياً ما يكون الأمر فإنّه عليه الصلاة والسلام لم يتزوّج السيدة عائشة رضي الله عنها من أجل المتعة، وهو الذي بلغ الخامسة والخمسين من عمره، وإنّما كان ذلك لتوكيد الصلة مع أحبّ الرجال إليه عن طريق المصاهرة، خاصّة بعد أن تحمّل أعباء الرسالة وأصبحت حملاً ثقيلاً على كاهله، فليس هناك مجال للتفكير بهذا الشأن.  

     ولو كان عليه الصلاة والسلام همّه النساء والاستمتاع بهنّ لكان فعل ذلك أيّام كان شاباً حيث لا أعباء رسالة ولا أثقالها ولا شيخوخة، بل عنفوان الشباب وشهوته الكامنة غير أنّنا عندما ننظر في حياته في سنّ الشباب نجد أنّه كان عازفاً عن هذا كلّه حتّى إنّه رضي بالزواج من السيدة خديجة رضي الله عنها الطاعنة في سنّ الأربعين وهو ابن الخامسة والعشرين.  

     ثمّ لو كان عنده هوس بالنساء لما رضي بهذا عمراً طويلاً حتّى تُوفّيت زوجته خديجة رضي الله عنها دون أن يتزوّج عليها. ولو كان زواجه منها فلتة فهذه خديجة رضي الله عنها توفّاها الله، فبمن تزوّج بعدها؟ لقد تزوّج بعدها بسودة بنت زمعة العامرية جبراً لخاطرها وأنساً لوحشتها بعد وفاة زوجها، وهي في سنّ كبير، وليس بها ما يرغّب الرجال والخطّاب. هذا يدلّ على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده أهداف من الزواج إنسانية وتشريعية وإسلامية ونحو ذلك.   

حقائق لا بد معرفتها   

  • إنّ زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها كان أصلاً باقتراح من خولة بنت حكيم على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لتوكيد الصلة مع أحبّ الناس إليه سيدنا أبي بكر الصدّيق، لتربطهما أيضاً برباط المصاهرة الوثيق.  
  • عائشة كانت مخطوبة لواحد من أهل مكة قبل خطبة النبي لها بما يدل على أنها كانت في سن الخطبة والزواج على الأقل بمعايير المجتمع المكي في ذلك الزمان. فلماذا لا يشكك المبشرون السخفاء في تلك الخطبة ويصبون كل حقدهم على النبي ويعملون على إثارة الشبهات الباطلة حول خطبته لها فقط؟   
  • أنّ قريش التي كانت تتربّص بالرسول صلى الله عليه وسلم الدوائر لتأليب الناس عليه من فجوة أو هفوة أو زلّة، لم تُدهش حين أُعلن نبأ المصاهرة بين أعزّ صاحبين وأوفى صديقين، بل استقبلته كما تستقبل أيّ أمر طبيعي.   
  • أنّ السيدة عائشة رضي الله عنها لم تكن أول صبيّة تُزفّ في تلك البيئة إلى رجل أكبر منها، ولن تكون كذلك أُخراهنّ. لقد تزوّج عبد المطلب الشيخ من هالة بنت عمّ آمنة في اليوم الذي تزوّج فيه عبد الله أصغر أبنائه من صبيّة هي في سنّ هالة وهي آمنة بنت وهب. ثمّ تزوّج سيدنا عمر بن الخطّاب من بنت سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه وهو في سنّ جدّها، كما أنّ سيدنا عمر بن الخطّاب يعرض بنته الشابة حفصة على سيدنا أبي بكر الصدّيق وبينهما من فارق السنّ مثل الذي بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها.   
  • ويجب الانتباه إلى أنّ نضوج الفتاة في المناطق الحارّة مبكّر جداً وهو في سنّ الثامنة عادة، وتتأخّر الفتاة في المناطق الباردة إلى سنّ الواحد والعشرين كما يحدث ذلك في بعض البلاد الباردة.   
  • وذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية السبت 6-9- 2008 أن باحثة ومؤرخة سعودية تحقق من صحة معلومات تشير إلى عدم زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من السيدة عائشة وهي في التاسعة من العمر، وتقول عضو لجنة الدراسات والاستشارات بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان د. سهيلة زين العابدين حمّاد إن المنطق والمعادلة الحسابية لعمر السيدة عائشة بنت أبي بكر الصدّيق مقارنة بأختها أسماء التي تكبرها بعشر سنوات ومقارنتها بعدد من الأحداث وتوقيت هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ترجّح أن زواج عائشة تمّ وهي في التاسعة عشرة من عمرها، وبالمناسبة أيضا فقد كتب الدكتور شوقي ضيف في كتابه: "محمد خاتم المرسلين" أن عائشة حين بنى بها الرسول كان عمرها 18 أو 20 عاما، مستندا في ذلك إلى بعض ما استند إليه صحفينا الشاب، (ص171 من طبعة دار المعارف). أما العقاد فقد رجح أن يكون عمرها آنذاك ما بين 12 و15 عاما (انظر كتابه: الصديقة بنت الصديق/ نهضة مصر/ 2004م/ 48.   

     ومهما يكن من أمر فإن تصرفات السيدة عائشة في بيت النبي حسب عموم الروايات التي وردت في هذا لتدل على أنها كانت زوجة ناضجة تمام النضج، وليست صبية لا تدرك في أي بيت تعيش ولا بمن تزوجت. ومهما يكن كذلك من أمر فإنها كانت سعيدة أشد سعادة بزواجها من النبي عليه الصلاة والسلام، وترى أنه فخر لها وإكرام أي إكرام. وكانت تحبه صلى الله عليه وسلم حبا شديدا وتغار عليه بقوة. وهناك أحاديث تصور هذا الحب الشديد وتلك الغيرة القوية التي تدل على مدى تغلغل هذا الحب في نفسها. كما أنها، حين عرض النبي عليه السلام عليها البقاء معه على الوضع المتقشف الذي كان عليه بيته أو تسريحها إلى بيت أبويها، وطلب منها أن تشاور أهلها في ذلك، رفضت ذلك الحل على الفور بعنف وإصرار كما نعلم جميعا. كذلك التزمت هي وسائر أمهات المؤمنين عن رضا وإيمان وحب وإجلال بما فرضه عليهن القرآن من حرمة الزواج بأي إنسان آخر بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام. فما معنى إثارة الشبهات حول هذا الزواج القائم على الحب والسعادة؟   

     شيء آخر: هو أن مريم عليها السلام، حين كان مقررا لها أن تتزوج بيوسف النجار، كان عمرها 12عاما، وكان يوسف رجلا شيخا كبيرا تجاوز الخمسين ببضع عشرات من السنين فيما أذكر بناء على الروايات التي تتعلق بهذه المسألة. فهل نتخذ من هذه النقطة متكأ نثير بسببه الشبهات المسيئة لقدرها الكريم؟  



المصدر: موضوعات إسلامية - مقالات في صحيفة دانماركية : 03 - زواج السيدة عائشة