كان هذا الصحابي يقوم بأعمال لا تصدق …
قبل أن يكون خليفة كانت له خدمات جلية لأبناء حيه، ومن هذه الخدمات أن له جيرانًا يتامى صغار، وعلى رأسهم عجوز كبيرة في السن، فكان يؤم هذه البيوت فيحلب لهم الشياه، ويؤم بيوتًا أخر فيطهو لهم الطعام، وكان يقدم خدمات، ولما صار خليفة، تناهى إلى سمعه حسرة العجائز، لأنهن سيحرمن من هذه الخدمة الجليلة التي يقوم بها هذا الرجل الصالح، وذات يوم قرع دارًا مِن تلك الديار، فسارعت فتاة صغيرة لتفتح الباب, وإذا بها تصيح: جاء حالب الشاة، من هو حالب الشاة؟ سيدنا الصديق، خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخليفة المسلمين، لما عرفت أن سيدنا الصديق طرق الباب, وهو خليفة المسلمين, قالت: ويحك يا بنيتي ألا تقولين خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام , يقول كتاب السيرة: يطرق مع نفسه, ويهمهم بكلمات لعل لسان حاله, يقول: دعيها لقد وصفتني بأحب الأعمال إلى الله, هذا الوصف أحب إليه من كلمة خليفة المسلمين .
وصف النبي هذا الصحابي الجليل بأوصاف، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ,: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ" عندما رأى سيدنا بلالاً يعذِّب من قبل أمية بن خلف، فأراد أبو بكر أن يشتريه منه، وعندما اتفقا على بيع بلال إلى سيدنا الصديق كي ينقذه من العذاب، يقول أمية بن خلف تحقيراً لشأن بلال: خذه، فلو أبيت إلا أوقية واحدة لبعتك بها، فقال سيدنا الصديق: والله لو أبيت إلا مئة ألف لأعطيتك، إنْ كان لا يساوي عندك أوقية فإنه يساوي عندي مئة ألف، اشتراه منه ووضع يده تحت إبطه, وقال: هذا أخي حقاً .كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا ذُكر الصدِّيق, يقولون: هو سيدنا وأعتق سيدنا، يعنون بلالاً .سيدنا عمر خليفة المؤمنين علم أن بلالاً قدم المدينة، فخرج لاستقباله، حسب العادة الحديثة، إذا كان الضيف رئيس دولة يستقبله رئيس دولة، وإذا الضيف رئيس وزارة يستقبله رئيس وزارة، وإذا الضيف وزير خارجية يستقبله وزير خارجية، أمّا أنْ يخرج رئيس دولة (خليفة) ليستقبل شخصًا كان إلى أجل قريب عبدًا فهذا هو الإسلام .
قالوا: لم يعرف ولو مرة واحدة قاتل أحدًا، أو شاتم، أو أساء، أو تخلى عن مروءة، أو بخل بماله أو جاهه . ربيعة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: “كان بيني وبين أبي بكر كلام حوار، فقال لي كلمة كرهتها، ثم ندم عليها، ”وقال لي: يا ربيعة ردَّ عليَّ مثلها حتى تكون قصاصًا ، قلت: لا أفعل “. فهو يعرف قدر الصدِّيق، ”فقال لي: لتأخذن بحقك مني، أو لأشكونك لرسول الله عليه الصلاة والسلام “ هذا الصحابي الجليل له قلب عامر بذكر الله، فلما رأى في وجه أخيه كراهية كلمة قالها, ندم ندماً شديداً, وهذا الندم, و هذا الاختلال, لا يصلحه إلا أن يقتص منه، ” قال: فذهب عني منطلقاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وانطلقت وراءه، فجاء أناس من أسلم, فقالوا: يرحم الله أبا بكر في أي شيء يستعلي عليك, وهو الذي قال لك ما قال، قلت لهم: اسكتوا هذا أبو بكر، هذا الذي قال الله عنه ثاني اثنين إذ هما في الغار، وفي القرآن ذُكِر اسمه، إياكم أن يلتفت فيراكم تنصرونني عليه فيغضب، فإذا غضب أبو بكر غضب رسول الله عليه الصلاة والسلام لغضبه، وإذا غضب رسول الله عليه الصلاة والسلام غضِب الله لغضبهما فيهلك ربيعة "، “يقول ربيعة: وانطلقتُ وراء أبي بكر ، فأتى الرسول فحدثه بما كان، فرفع إلي الرسول رأسه, وقال: يا ربيعة ما لك وللصديق؟ قلت: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، إنه قال لي كلمة كرهتها، ثم طلب إلي أن أردها عليه لتكون قصاصاً فأبيت، أنا لم أفعل شيئًا ، فقال عليه الصلاة والسلام: ”أحسنت يا ربيعة، لا تردها عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر“ قال: ”فولى أبو بكر وهو يبكي" عرف مقامه عند رسول الله عليه الصلاة والسلام, ومقامه عند الصحابة، كما عرف أدب هذا الصحابي الجليل. "ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كان له كبوة إلا أخي أبا بكر لم يتلعثم"
بعد وفاة سيدنا الصديق رضي الله عنه, ذهب عمر يسأل زوجته أسماء بنت عميس, كيف كان أبو بكر يعبد ربه عندما يخلو بنفسه؟ فأجابته قائلة: كان إذا جاء وقت السحر، قبيل الفجر، قام فتوضأ وصلى، ثم يستمر يصلي، ويتلو القرآن، ويبكي ويسجد, ويبكي ويدعو, فبكى عمر رضي الله عنه و قال: أنَّى لابن الخطاب مثل هذا ، وقال عمر: ما أنا إلا حسنة من حسنات أبي بكر . مرة مُدح هذا الصحابي الجليل، فقال: اللهم اجعلني خيراً مما يقولون، وقال أيضاً: واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون .
لما توفي النبي لم يختل توازنه، وما اختل توحيده، قال : “من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”.
فسيدنا الصديق هو التلميذ الأول لرسول الله عليه الصلاة والسلام أصدقهم و أكملهم وأشدهم حباً ووفاء وتضحية وأقربهم إلى الله عز وجل.