بحث

توجيه النبي في ضبط الإنسان لكلامه

توجيه النبي في ضبط الإنسان لكلامه

بسم الله الرحمن الرحيم

     قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  

(إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا  يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ سبعين خريفاً)  

     أول حقيقة أنك حينما لا تعدّ كلامك من عملك فأنت في خطأ كبير. وأنه من كثر كلامه كثر خطأه .  فيك يا فلان خصلتان، يحبهما الله ورسوله الصمت وحسن الخلق. الساكت في سلامة والمتكلم إما له أو عليه .  

     كلمة، كلمة تسبب فصم شركة، كلمة تسبب شقاء أسرة، كلمة تسبب عداء مستحكم .  

     أيها الإخوة الكرام، هناك وهم خطير جداً، وهو أن يتوهم أنه لم يفعل الكبائر، لا قتل، ولا سرق، ولا زنا، ولا شرب خمر، كأنه نجا، استمع إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا، وَلَكِنْ سَيَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَيَرْضَى بِهَا   أكثر الناس عنده قائمة طويلة يتوهم أن كل بنودها صغائر لا قيمة لها، ولا تقدم، ولا تؤخر، ويقول لك: كلام في كلام، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :... فَقُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا، كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ :لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ  أكبر كلمة ينبغي أن نذكرها: يجب أن تعد كلامك من عملك.       

     أيها الإخوة، أكثر المتكلمين المنقطعين عن الله شياطين، يفرقون بين المرء وأهله، بين الأم وابنها، بين الشريك وشريكه، بين الجار وجاره، ما عنده غير النقد، ما عنده إلا الاستعلاء، تصغير حاجات الناس في عيونهم،    وهذا الحديث أيها الإخوة والله ينخلع له القلب . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ  

     معلمة عندها طالبة عندها خجل، المدرسة لها رهبة عندها، تقول لها: أنت غبية، وهي في الصف السادس أو في السابع، تنشئ عندها عقدة للموت، أنها غبية لا تنجح، تكون متفوقة، قالت لها المعلمة: إنها غبية .    سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ قَالَ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ   

     هناك كبائر لسانية تحول بينك وبين دخول الجنة، منها النميمة، وهي متفشية بين الناس بشكل وبائي، سمعت ما قال عنك؟ قال: إنك لا تفهم شيئًا، فعلاً قالها، أما المؤمن فلا يمكن أن ينقل كلامًا سيّئًا قيل في فلان لفلان، يحدث شرخًا، وانهدامًا، وحقدًا، الإنسان حينما يفرق بين الناس بكلامه، حينما يرتكب جريمة النميمة،    قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ  لا صلاة لك، ولا صيام لك، ولا حج لك، دائماً كلامك فيه إساءة، فيه نقد، فيه تجريح، فيه قنص، وأنت مرتاح، السهرة إلى الساعة الواحدة كلها بالغيبة والنميمة، والجماعة مسرورون .  

     يجب عليك أينما تحركت، أينما دخلت أحسن دنيا الناس في عيونهم، العبرة بمعرفتك لله، العبرة بطاعتك له، العبرة غنى النفس، الغنى والفقر بعد العرض على الله مرة زرت أحد إخواننا الكرام، غرفة الضيوف صغيرة جداً، إلى درجة أنها لا تتسع إلا لعدد من المقاعد، وفيها طاولة في الوسط، وبين المقاعد والطاولة مسافة صغيرة جداً، فالأخ استحيا بهذه الغرفة، قلت له: من أنت أمام سيد الخلق، وحبيب الحق؟ كانت غرفته التي ينام فيها لا تتسع لصلاته ونوم زوجته، فكانت زوجته عائشة رضي الله عنها تنزاح جانباً كي يصلي، هل هناك غرفة نوم لواحد منا لا تتسع لنوم امرأته وصلاته؟ كم مساحتها؟ قلت له هذا الكلام فَسُرّ. يجب أن تتكلم كلامًا طيبًا.  

     إنسان يشكو لك ابنه، تقول له: والله أنا عندي ابن ما شاء الله، قمة في الكمال، حرقت قلبه بزيادة عندك ابن جيد، اشكر ربك بينك وبين ربك على انفراد، لكن ما وجدت مناسبًا أن تشكر الله على ابنك الصالح إلا أمام هذا الذي يتلوى من عقوق ابنه؟     تريد دليلا؟    عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ  مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ، نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْأَزْوَاجِ وَالضَّيْعَةِ نَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَكَذَلِكَ ....     التقرب من الله إذا شكا إنسان لك شيئًا ألاّ تتركه مستوحشًا وحده، والله قضية عامة، يا أخي، والله بلوى عامة، الآن صعب جدًّا، الأولاد صعاب جدا، وسائل الإغراء كثيرة، الله يعينني ويعينك على تربيتهم، فيها جبر خواطر، فيها طمأنينة، كلما رأيت إنسانًا شكا لك قضية فأنت تستثني نفسك، وأنت عندك زوجة ليس لها مثيل، ما علاقتهم بزوجتك؟ هذا كلام من الشيطان . إما أن تمدح أهلك مدحًا غير معقول، أو أن تمدح أولادك، كيفما جلست تتكلم المرأة عن أولادها، وأولادها دون الوسط، وقد يكونون أقرب إلى الضعف، هوس، مديح الأهل، مديح الزوج، مديح الأولاد، مديح البيت من أجل الاستعلاء، هذا الكلام كله كلامًا شيطانيًّا.      

     حينما تعلم أن كلامك من عملك فلك حال مع الله راقٍ جداً، ضبط اللسان يحتاج إلى جهد كبير، لأن الكلمة إلقاؤها سهل جداً، إن أردت أن تقيم وليمة تحتاج إلى وقت، تفرغ، إعداد الأعمال، كلها تحتاج إلى جهد، إلا الكلام، كلمة، قال كلمة ومشى، وهذه الكلمة فعلت فعل القنبلة في هذه الأسرة.    كلمة، لذلك في بعض الأقوال: قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة هناك تعريض، وتوبيخ، وازدراء، وسخرية، وتهكم، وتمطٍّ، ومناوشة، ومهاترة، وتنابز بالألقاب .    قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ  لحييه لسانه، ما بين رجليه فرجه.  

     هناك أشخاص أيها الإخوة أسهل شيء عليهم إلقاء التهم، يلقون هذه التهم وكأنها قنابل، وينصرفون،  قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.      لك أخ محب، تحبه ويحبك، وتقدره ويقدرك، وتعظمه ويعظمك، بلغك عنه قصة سيئة جداً، ماذا تفعل؟ سأقول لكم ماذا سيجري، تحتقره احتقارًا، وأسقطه من حسابك، ما تحققت، ما سألت، ما بحثت، ما دققت، هذا عمل خطير جداً، وعمل فيه مؤاخذة كبيرة من الله، تأتي إليه، يا أخي بلغني عنك كذا وكذا، بينك وبينه، وأنت غال علي، أنا أخ وفيّ لك، حدثني عن حقيقة هذه التهمة، أول احتمال رائع، تكون التهمة لا أساس لها من الصحة، مئات التهم تصل إلى سمعي أنا لا أصدقها، لما أتحقق فعلاً أجد أنه لا أصل لها، لو أنني تورطت، واتهمت هذا الإنسان في دينه، أو في علاقاته، وأنا غير منصف، أنا أؤاخذ، قال عليه الصلاة والسلام الذنب شؤم على غير صاحبه إن ذكره فقد اغتابه وإن رضيه شاركه في الإثم وإن عيره ابتلي به  تصور أنت لم تذنب، لكن غيرك أذنب، أنت أمام ثلاثة مزالق، أول مزلق أن تقع في الغيبة، والثاني أن تقع في مشاركة الإثم، والثالث أن تقع في التعيير، ومن عير أخاه بشيء ابتلاه الله به .  

     بالدليل القطعي الثابت، لا الصلاة، ولا الصيام، ولا الحج، ولا الزكاة تنفع صاحبها إن لم يكن مستقيماً على أمر الله،    الصيام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ     كأنه لم يصم، ورُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش .    قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ، وَلَا دِينَارَ، وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا،  ….   فَيُقْعَدُ، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ .  

     كلمة فيها تطييب قلب، كلمة فيها احترام، كلمة فيها دعوة للصبر، كلمة فيها أن يرضى عن ربه .    كم من كلمة حانية دفعت إنساناً إلى طريق الخير، كم من كلمة صادقة رفعت حال إنسان إلى أعلى عليين .  



المصدر: أحاديث متفرقة - الدرس : 121 - الترهيب من كثرة الكلام …... .