بحث

توجيه النبي للتواضع وعدم البغي والتفاخر

توجيه النبي للتواضع وعدم البغي والتفاخر

بسم الله الرحمن الرحيم

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

إِن َّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ  

     إن هناك كبائر ظاهرة ،  كالقتل ، وشرب الخمر ، والزنا ، والسرقة ، وما إلى ذلك، هذه الكبائر صارخة وواضحة وظاهرة، ومعظم الناس بعيدون عنها ـ والحمد لله ـ إلا قلة قليلة ممن شردوا عن الله عز وجل ،    ودفعوا ثمن شرودهم شقاء في الدنيا والآخرة . ولكن المشكلة في الكبائر الباطنة، الكبائر الباطنة قلما يتوب منها الإنسان، لأنها ليست ظاهرة، ومن هذه الكبائر الكبر. الكبر أيها الإخوة الكرام  يصيب معظم الناس، أنت إذا نجحت زلت قدمك إلى الكبر ، لذلك أخطاء الناجحين كبيرة جداً، والبطولة لا أن تصل إلى قمة النجاح ، ولكن أن تبقى في هذه القمة ،    وكثيرون وصلوا إليها ، ولكن الغرور أصابهم ، والكبر تشرب في أفعالهم وأقوالهم فسقطوا . ومن سمات المؤمن التواضع، والتواضع في الحقيقة ليس تصنعاً ، هو حقيقة ، بمعنى أن العبد عبد ، وأن الرب رب، وأنت بالتواضع قد تصل إلى كل ما عند الله من عطاء، وبالكبر قد تحجب نفسك عن أعظم عطاءات الإيمان، فالإنسان حينما يرى نفسه متفوقاً ،  وهذا التفوق قد يجعله في طريق يستغني عن رحمة الله، حجب عن الله، ولو علم المتكبر أنه متكبر فليس بمتكبر، خطورة هذا المرض كيف أن في الجسم أمراضاً عضالة مميتة ليس لها أعراض ، كالأورام الخبيثة، لا يوجد أعراض أبداً ، متى يبدأ العرض؟ حينما يستفحل، إذا استفحل ، وصار المريض في طريق مسدود تظهر أعراض المرض .  

     يوجد قضية دقيقة في التواضع ، وهي أنك إذا تأملت في خلق السماوات والأرض ، وأنك إذا اتصلت بالله عز وجل ، واطلعت على جانب من عظمة الله عز وجل ترى نفسك لا شيء، كلما ضعفت معرفتك بالله نمت نفسك، الأنا تضخمت، وكلما ازدادت معرفتك بالله تضاءلت الأنا، أنا لا أرى أن في حياة البشر على الإطلاق إنساناً في قمة التفوق ، وفي قمة التواضع كرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينما يقال عن النبي عليه الصلاة والسلام : إنه من رآه بديهة هابه، و من عامله أحبه، من تواضعه الشديد، قال مرة لسيدنا عمر: لا تنسنا يا أخي من دعائك ، سيد الخلق وحبيب الحق يسأل سيدنا عمر أن يدعو له، تواضع ما بعده تواضع، زعيم الأمة، وقائد الجيش، ونبي الأمة، ورسول، في معركة بدر قال: وَأَنَا وَعَلِيٌّ وَأَبُو لُبَابَةَ عَلَى رَاحِلَةٍ،   فَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَتْ نَوْبَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم  فقالا له: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ ـ ليظلَّ راكباً ـ  فقال: مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي عَلَى السَّيْرِ، وَلاَ أَنَا بِأَغْنَى مِنْكُمَا عَنِ الأَجْرِ عدّ نفسه جندياً . كان يأكل مع الخادم، تستوقفه امرأة يكلمها في حاجتها طويلاً، تأخذ بيده الجارية البنت الصغيرة، وتقوده إلى حيث تشاء، كان يجلس حيث انتهى به المجلس، كان الأعرابي إذا دخل عليه يقول : أيكم محمد؟ لا يوجد أي مظهر كهنوتي إطلاقاً، ويقول:  أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة .      

     سيدنا الصديق، وهو يأتي في الدرجة الثانية بعد رسول الله،  ما طلعت شمس على رجل بعد النبي أفضل من أبي بكر، لو وزن إيمان الخلق مع إيمان أبي بكر لرجح ، هل يعقل أن هذا الإنسان العظيم يتقرب إلى الله بخدمة جارة له عجوز، فما خدمته لها؟ كان يحلب شياهها كل يوم، فلما تسلم منصب الخلافة غلب على ظن هذه الجارة العجوز أن هذه الخدمة قد توقفت، في صبيحة اليوم الأول مِنْ تسلّمِ هذا الخليفة العظيم منصب الخلافة طرق باب العجوز، قالت لابنتها: يا ابنتي، افتحي الباب، ثم سألتها من الطارق، قالت جاء حالب الشاة يا أمي، سيدنا الصديق.     

     سيدنا عمر يتجول في المدينة ليلاً رأى قافلة قد حطت رحالها في ظاهر المدينة، فقال لعبد الرحمن بن عوف: تعال نحرس هذه القافلة، بكى طفل، قال لأمه: أرضعيه، بكى ثانية، قال: أرضعيه، غضبت، وقست عليه في الكلام، قالت: وما شأنك بنا؟ إنني أفطمه، قال: ولمَ؟ قالت: لأن عمر لا يعطي العطاء إلا بعد الفطام، أي التعويض العائلي، تروي الروايات أنه ضرب جبهته، وقال: ويحك يا ابن الخطاب، كم قتلت من أطفال المسلمين؟ ثم أمر أن يكون العطاء حين الولادة، وفي صلاة الفجر في اليوم التالي لم يفهم أصحابه الكرام ماذا قرأ في الصلاة من شدة بكائه، ثم سمعوه يدعو، ويقول: يا رب، هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي، أم رددتها فأعزيها؟  

      كلما ازددت تواضعاً ازددت عند الله رفعة، وكلما ازددت تواضعاً التف الناس حولك، وكلما ازددت تواضعاً أقبل الناس عليك، وكلما ازددت تواضعاً كنت في قلوب الجميع.  نحن نفتقر إلى التواضع في حياتنا، أي تعلو مرتبتك قليلاً لا تحتمل أن تنادى باسمك، كن طبيعياً. 

     وقَالَ أيضاً صلى الله عليه وسلم .... وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللّهُ الإنسان الكامل يعيش للناس، الإنسان القوي يعيش الناس له، والفرق كبير جداً، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم، الإنسان القوي يملك الرقاب، أما الإنسان المؤمن الكامل فيملك القلوب، وفرق كبير بين أن تملك القلوب وأن تملك الرقاب    فالتواضع أساسه أنك موصول بالله عز وجل، وتواضعت لله، ولم تستكبر على عبادة الله، الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس، آدم نسي، ولم نجد له عزماً فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ      أما إبليس فأسباب معصيته الكبر، أنه استنكف أن يسجد لآدم أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ             

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ  منهم.. وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ورد في الأثر:  فأحب ثلاثاً، وحبي لثلاث أشد: ... أحب المتواضعين، وحبي للغني المتواضع أشد، ... وأبغض ثلاثاً، وبغضي لثلاث أشد أبغض المتكبرين، وبغضي للفقير المتكبر أشد.  



المصدر: أحاديث متفرقة - الدرس : 120 - الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر .