بحث

إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا

إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا

بسم الله الرحمن الرحيم

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:       

     أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ:  يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ   وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، َمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِك.      

      هذا الحديث من ألصق الأحاديث بأصول الدين، وليس أحد وأنا معكم بمنجاة من عذاب الله إن لم يتبع نص هذا الحديث، وحقيقة الدين شيء خطير جداً، الدين له مظاهر، يمكن أن تصلي، يمكن أن ترتدي ثوباً إسلامياً، يمكن أن تحمل سبحة، يمكن أن تضع على محلك التجاري آيات قرآنية، يمكن أن تصلي يوم الجمعة، هناك آلاف من المظاهر الإسلامية، ولكن جوهر الدين لو وضعت يدك عليه لقطفت ثماره كلها، لو وضعت يدك على جوهر الدين لكنت أسعد الناس، لو عرفت حقيقة الدين لصحت بأعلى صوتك: ليس في الأرض من هو أسعد مني، لكنك إذا وضعت يدك على جوهر الدين يجب أن تكون في مستوى هذا الجوهر، لا أن تكون أنت في واد، والدين في واد آخر، هذا الحديث يذكرنا بحديث آخر ،  إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ   أتحب أن يحبك الله؟ كن سخياً، أتحب أن يحبك الله؟ كن نظيفاً، أتحب أن يحبك الله؟ كن طاهراً طيباً.     

     أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ إذا قلنا فلان طيب،  يعني طاهر، أما إذا قلنا: الله طيب، أي منزه عن كل نقص لا يليق به، منزه عن الظلم، منزه عن أن يشبه أحداً، عزيز في ملكه، حكيم في أفعاله.  

     لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، المعنى الأول، لا يقبل الله الصدقة إلا إذا كانت من كسب طيب حلال. والمعنى الثاني يعني حتى الأعمال إذا كان فيها شرك لا يقبلها، إذا كان فيها افتخار لا يقبلها، إذا كان فيها عجب لا يقبلها، إذا كان فيها استعلاء على الناس لا يقبلها، إذا كان فيها أهداف أرضية لا يقبلها. هو منزه عن كل نقص، لا يقبل إلا طيباً، لا يقبل كلامك، ولا أفعالك، ولا مالك، ولا اعتقادك إلا إذا كان طيباً، ومعنى أنه طيب هنا أنه منزه عن النقص.  

     إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، بعض الناس أول كلمة يقولونها إذا أمرتهم بالطاعة: أنا لست نبيًّا، من قال لك: إنك نبي؟ أنت لست نبياً، وأنت مأمور بما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام. توضيح ذلك، أعلى طبيب في العالم، جراح قلب، إذا أراد أن يعطي مريضًا حقنة فلابد من تعقيمها، وتعقيم الزجاجة، وتعقيم الإبرة، وتعقيم مكان ضرب الإبرة، لو كلفنا أقل ممرض في الأرض أن يعطي حقنة لمريض يجب أن يفعل ما فعله أعلى طبيب، هذه قواعد أساسية.  كل من يقول: أنا لست نبيًّا، من قال لك: إنك نبي، وهل ترقى إلى مستوى لا يعدل واحدًا بالمليار من نبي؟ لا ترقى إلى ذلك، ومع ذلك حفاظاً على سلامة دينك، حفاظاً على سعادتك، حفاظاً على طهرك لابد أن تفعل ما أمر به النبي، هل هناك دليل قرآني؟ قال تعالى : قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ دليل آخر،  قال تعالى فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ أنت أيها النبي مأمور أن تستقيم ومن تاب معك ، المؤمنون مأمورون مثلك ، أن  تستقيم . مثل للتوضيح  واحد مشى في حقل، إذا بلوحة كتب عليها: انتبه، حقل ألغام، يشعر بامتنان من الدولة التي نبهت المواطنين، أم يشعر أن حريته قد كبتت بهذا الإعلان؟ إذا شعر أن حريته قد كبتت بهذا الإعلان فهو جاهل، أما إذا شعر بامتنان لمن وضع هذه اللوحة التي تحفظ له حياته، وتنبهه أن هذا الحقل حقل ألغام فهو ذو فهم وذكاء، دع حقل الألغام. هذه حقيقة الدين، ليس قيداً لحريتك، بل هو ضمان لسلامتك. المؤمن مطالب أن يستقيم كما يستقيم النبي عليه الصلاة والسلام، هذه حدود، وليست قيود.      

ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، َمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِك  قام سعد بن أبي وقاص مرةً وقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة،   فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة. والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به السحت هو المال الحرام، اجعل دخلك حلالاً، أتقن العمل، أنت تناولت أجرًا عن هذا العمل، أجرًا بمستوى الجيد، قدمت مستوى سيئا، بعته بضاعة على أنها من الطبقة الأولى، هي من الطبقة الثالثة، هو دفع ثمن درجة أولى، قبض ثمن درجة ثالثة، صار الدخل حرامًا بالتدليس، صار حرامًا بالكذب، صار حرامًا بالغش، صار حرامًا بتأخير التسليم، صار حرامًا، عطلته بالإيهام، صار حرامًا بالاحتكار، صار حرامًا، ليس معنى هذا أن الحرام سرقة مالٍ، هذا شيء نادر جداً، السرقة لما الإنسان يبتز أموال الناس يأكل أموالهم بالباطل، يأكل أموال الناس بالباطل، فهذا الدخل حرام، وإذا كان الدخل حراماً فالاستجابة لا تكون، أتحب أن تكون مستجاب الدعوة؟ إذاً أطب مطعمك، أتقن عملك، اجعل دخلك حلالاً، تقصَّ أن تأكل مالاً حلالاً، وأن يدخل في بطنك طعام حلال، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:    مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِيهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً مَادَامَ عَلَيْهِ صلاته مرفوضة ما كان عليه هذا الثوب. كل الأعمال الصالحة إن كان مالها حراماً فهذا غير مقبول. الآن التفتوا إلى أعمالكم، فحرروا الدخل، مواعيد العمل، نوع البضاعة، إخفاء العيوب، لا تخفِ عيب البضاعة، ليكن دخلك حلالاً، لا تدلس، لا توهم، لا تحتكر، لا تعلن عن نوع وتبيع نوعًا أقل جودة، لا تعلن عن مصدر وتبيع مصدرًا أقل جودة، لا تعلن عن عدد وتبيع أقل عدد، هذا كله يدخل في الكسب الحرام، ومن كانت لقمته من حرام لم يستجب له. هذا هو الدين، الدين أن تكون صادقاً في عملك، متقناً له، ليكون دخلك حلالاً، لتأكل حلالاً، لتدعو الله عز وجل فيستجيب لك.  



المصدر: أحاديث متفرقة - الدرس : 039 - إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً.