بحث

تبيان النبي لأهمية بواعث الأعمال

تبيان النبي لأهمية بواعث الأعمال

بسم الله الرحمن الرحيم

     قال  رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  

(إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِكل امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) 

     إن موضوع الباعث، أو موضوع النية، أو موضوع الإخلاص من أخطر موضوعات الإسلام، لأنك وأنت مخلص ترقى بعمل قليل، وأنت غير مخلص تهوي بعمل كثير.   

إِنَّمَا أداة حصر،   

     إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ هناك مثال أستخدمه دائماً، خمسمئة ليرة ملقاة على الأرض، مرّ شخص، وأمامها مصور واقف في زاوية، هذا الشخص انحنى، نظر إليها، وأخذها، ووضعها في جيبه، وتابع سيره، صورناه، وضعنا خمسمئة ليرة ثانية، مر شخص آخر، نظر إليها، فانحنى، والتقطها، ووضعها في جيبه، لو تشابهت الأعمال تشابهاً تاماً في الشخصين وضعا هذا المبلغ في جيب المعطف، لو وازنا بين الصورتين لوجدنا العمل نفسه، الأول مؤمن نوى أن يأخذها ليدفعها إلى صاحبها، وتوجه إلى أقرب دكان، وذكر لصاحبها أن هناك مبلغاً وجدته في هذا المكان، وهذا عنواني، وهذا هاتفي، والثاني نوى أن يأكلها حراماً، فالعمل نفسه، عمل يرقى بصاحبه، وعمل يهوي بصاحبه في الهاوية .   العمل يقيم حصراً بنيته، قد يأتي الإنسان يوم القيامة بأعمال كالجبال، بنوايا ليست راقية، قال تعالى :   وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً    

     قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :    

(إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ). 

     فكل عمل بنية سيئة يتلاشى، وعمل آخر بنية طيبة يتنامى، إذاً يجب أن نركز على نيتنا، يجب أن نركز على إخلاصنا، قال تعالى :  إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً   ما قولك أيها الأخ الكريم في أن الإخلاص أو صدق النية، أو سمو النية، يقلب العمل الدنيوي إلى عبادة، وهل تصدقون أن النية السيئة تقلب العبادة إلى جريمة؟  قال تعالى :   فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ  * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ   عمل دنيوي، تجارة، زواج، كسب مال إذا رافقته نية عالية يصبح عبادةً، وعمل عبادي محض إذا رافقه الرياء يصبح جريمة، يستحق أن يقول الله لصاحبه: ويل لك، أرأيتم إلى أثر النية كيف أنها تقلب العبادة إلى انحراف، وتقلب العمل الدنيوي إلى عبادة؟   أحد الصالحين ي قولون: لما يضع المفتاح بدكانه، يقول: نويت خدمة الناس، هذا البائع فتح هذه الدكان ليخدم بها الناس أولاً، وليقتات من عمله ثانياً، فلما يغفل الإنسان عن هذه النية يصير عمله لا معنى له، وأحيانا الحياة تستهلك الإنسان، يأكل، ويشرب، وينام، ويعمل، ويذهب، أما النية فتعطي العمل هذه الصفة العالية، النية تضفي على العمل اليومي معنى العبادة حتى لو تزوج الإنسان قال عليه الصلاة والسلام :   وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ   أي في المتعة سلك الطريق المشروع، وترك الطريق المنهي عنه، هذا عمل صالح .   نحن ما عندنا ازدواجية، دنيا وآخرة، لا، الدنيا من أجل الآخرة، والآخرة من أجل الدنيا، ليس هناك ازدواجية، ولا خطان متوازيان، خط واحد، فإذا أتقنت عملك في سبيل الله، إذا راعيت مصلحتك في سبيل الله، إذا أديت واجبك في سبيل الله فهو عبادة    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ   صار الدين كل حياتك، كل نشاطك، عملك، بيتك، مصروفك، مادام في معرفة بالله واستقامة على أمره، وتطبيق لمنهجه.   

     لكن هنا ينشأ سؤال: هذه النية العالية من أين تأتي؟  النية العالية محصلة الدين كله، يعني إيمانك بالله، إيمانك باليوم الآخر، إيمانك بأن الله كان عليكم رقيبا، إيمانك بأن الله مطلع عليك، إيمانك بعظمة الله، إيمانك بوعده، إيمانك بوعيده، إيمانك بالجنة، إيمانك بالنار، محصلة إيمانك كله، يلخص بنواياك.

     أحياناً تنوي عملا، بعد هذا لا يقع العمل، كأنك فعلته، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:  إن الله تعالى يكتب للمريض أحسن ما كان يعمله في صحته مادام في وثاقه، وللمسافر أحسن ما كان يفعله في حضره    

     ما هي بعض الحلول التي تؤكد للإنسان أنه مخلص؟ منها كتمان العمل، أما إذا ذكر الرجل العمل لإنسان يحبه ليأنس به، أو ليشجعه فلا مانع، أما إذا شعر أنه لما يذكر عمله للناس يقع في الرياء والنفاق فعليه أن يكف عن ذكر عمله، غض بصرك عن محارم الله، وأنت في خلوة، أنت جالس في غرفتك، فهذا العمل يفسر قولاً واحداً بالإخلاص، عمل طيب، إصلاح من دون ضجيج، من دون تبجح، من دون ذكر، من دون ترداد، هذا يعينك على أن تخلص، الآن إذا عملت عملاً صالحاً، وقابلك الناس بالسوء، وتألمت ألماً شديداً جداً، فهذه علامة ضعف الإخلاص، ما   دمت قد فعلت هذا العمل لله، الله عز وجل اطلع عليك، وعملك عنده محفوظ، فلماذا الحزن الشديد؟ من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به.  

     العبادة ظاهرة، والإخلاص باطني، القلب مخلص، والجوارح مطيعة، هذا الدين، الإخلاص في القلب، والطاعة في الجوارح، الإنسان أحياناً لا يكفي أن يتقن الظاهر فلابد من إتقان الباطن، أصحاب النبي عليهم رضوان الله كانت علانيتهم كسرائرهم، أصحاب النبي تمثلوا الإخلاص والورع، والفضائل، من دون مصطلحات جديدة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ   والحديث  القدسي :   عبدي طهرت منظر الخلق سنين أفلا طهرت منظري ساعة   قال الله تعالى وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ    فالإنسان عليه أن يسعى لا لإصلاح ظاهره، بل إلى إصلاح ظاهره وباطنه، لأن ظاهره ينتهي عند الموت، لكن باطنه يبقى معه إلى أبد الآبدين، هذه النفس هي جوهر الإنسان، وما هذا الجسد إلا ثوب خارجي يخلع عند الموت، فإذا كانت العناية كلها بالمظاهر المادية فعندنا مشكلة كبيرة، عند الموت سوف تكشف أن الذات ليس في المستوى المطلوب، حب الدنيا يبعدك عن الإخلاص، والنية الطيبة التي تقلب العمل المادي إلى عبادة، وأما النية الخبيثة فتقلب العمل العبادي إلى معصية.



المصدر: أحاديث متفرقة - الدرس : 032 - أحاديث شريفة عن بواعث العمل.