بحث

اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ

اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ

بسم الله الرحمن الرحيم

     قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

           (اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ. قَالُوا: وَمَا اللاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ)   

     هذا الحديث يبدو بسيط يتعلق بمن قضى حاجة في الطريق، أو قضى حاجة في ظل الناس لكن أي عمل على الإطلاق يسبب لعن الناس يندرج تحته ، فيجب أن يفهم فهماً واسعاً جداً. 

     اللاعِنَيْنِ أي الأمرين الجالبين للعن، أي عمل عملته فلعن الناس من فعلوه لعنه الله، النبي جاء بحالتين بسيطتين  الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ أي يقضي حاجته في الطريق، طريق عام ملك للناس جميعاً وإنسان وقح، مثل مدخل بناء، مدخل معمل، يقضي حاجته في الليل لم يره أحد، فإن رآه أحدهم فهذا القذر، ولو بقي مضبوط اللسان ماذا يقول في قلبه؟ يقول: لعن الله من فعلها، قليل حياء، لا أصل له، عديم التربية. إن كنت مهذباً وضبطت لسانك فلا تملك قلبك، بل تلعنه في قلبك، لأنه أساء إساءة بالغة، الشيئين اللذين يجلبان اللعن لمن فعلهما، وهذا مثل، فهل نبقى بالمثل فقط؟ هذه الحالة فقط؟   هنالك  قاعدة فقهية أنها تجب في علتها لا في عينها   حسناً رجل عنده كلب عقور، ووضعه في مدخل بناء من دون أن يربطه، ويوجد في هذا البناء أطفال صغار يجب أن يذهبوا إلى مدرستهم الساعة السابعة صباحاً، وصاحب الكلب نائم، والكلب من دون قيد، ألم تخف أنت أهل البناء؟ ألا يستحق من فعل هذا اللعن؟   

     يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ هذا يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم، الوقت صيف والحر شديد والطريق إلى سفر، ويوجد شجرة كالدوحة كأنها مظلة كبيرة، الناس يرتاحون تحتها في الصيف، فقضى رجل حاجته تحت هذه الشجرة، وجاء آخر ليستريح فرآى هذا الشيء المقزز، ماذا يقول في نفسه؟ يقول: لعن الله من فعلها، قليل الأصل، قليل التربية، قليل الذوق إنسان همجي .   

     الآن حياتنا معقدة جداً، أي إذا فتح الإنسان فتحة مياه مالحة ولم يغلقها، فكم حادث سير يقع؟ رجل وضع حجر كبير وراء عجلات سيارته وهو يصلح سيارته، ثم مشي وتركه، والطريق سفر، آخر يمشي بسرعة في الليل ولم ينتبه له، فتحطمت سيارته وانقلبت رأساً على عقب، ألا يستحق اللعن؟ لو كان هناك مجال لتفاصيل لوجدت مائة ألف حالة، وكل حالة يستحق صاحبها اللعن.   أنت لديك بستان فيه عنب، وتخاف عليه من الدبابير، فجئت بدواء ورششته به، مكتوب على هذا الدواء أنه إن بقي على العنب أقل من شهرين فهو مسرطن، أنت لم تهتم قطفت الثمار وبعتها، وجاء إنسان بريء واشترى منك العنب، وأخذت حقك، أكله الأولاد فحدث معهم ورم خبيث، والشيء الذي لا يصدق أن الأورام الخبيثة أصبحت بنسب مخيفة، دواء مسرطن،   فواكه مهرمنة...  

     اللاعِنَيْنِ اللعن: أن تكون بعيداً عن الله، ان يبعدك الله عن ذاته العلية، أي أن يطردك من رحمته .   قال العلماء: أي حديث فيه كلمة لعن فهذا المضمون من الكبائر. أحد تعريفات الكبائر: أن تفعل شيئاً تسبب اللعن لمن فعله .   لذلك إتقان العمل جزء من الدين. 

     اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ   كل عمل يسبب لك اللعن، يندرج تحت هذا الحديث فكل عمل يسبب اللعن فهو محرم بنص هذا الحديث، هذا هو الدين، الدين هو الحياة، الدين حرفتك، وظيفتك، فالطبيب محاسب حساب لا يعلمه إلا الله، والمحامي كذلك، والمهندس كذلك، والحرفي كذلك، الإنسان غالٍ على الله كثيراً، وكلما كان الإنسان له مكانة وله حقوق، وله واجبات كلما كان المجتمع راقٍ أكثر، وكلما كنت في مجتمع الإنسان ليس له قيمة، وليس له حقوق، وليس له واجبات، والوقت رخيص جداً يكون الإنسان متخلف، بالمفهوم الحضاري أو الديني الأخلاقي أو الوطني، بكل المفاهيم المجتمع متخلف، يجب أن تفهم دينك ليس بمكان العبادة وحسب بل بالمحل والعمل، إتقان عملك جزء أساسي جداً جداً من الدين،   فكلما كان إيمانك قوياً وجدت نفسك منضبط انضباط عجيب، أنت تخاف من الله، لأن جميع الخلق عباده هؤلاء عباد الله،   كل إنسان بحرفته، يعتبر أن كل الناس عباد الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعباده، فإن وجد الإيمان بالله عز وجل لا يمكن أن تعمل عملاً يسبب الأذى للناس، لا يمكن، فإتقان عملك، ضبط أمورك إجراءات وقائية لمصلحتك هذا الشيء جزء من الدين، هذا هو الدين، الدين هو الحياة، الدين هو العمل المتقن، الدين هو السلامة، الدين هو السعادة، الدين هو الصدق، الدين هو الأمانة، الدين هو الخير، لا تفهموا الدين على أنه صوم وصلاة فقط، أو عبادات شعائرية، هذا فهم سقيم للدين، الدين هو الحياة، أن تكون في أعلى مستوى في عملك، وفي حرفتك، لا يهم، أليس هذا العمل طيباً؟   بأي مصلحة، بأي شيء، عندما تفهم الحياة بهذا الشكل تصبح إنساناً آخر، كل هؤلاء عيال الله، حتى الحيوانات، هل تستطيع أنت أن تعذب حيوان؟   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا حجبتها عن أختها أتريد أن تميتها مرتين؟   ممنوع أن تذبح شاة أمام أختها ممنوع،  قال الله سبحانه وتعالى :   فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا   يجب  عليك كمؤمن أن يكن لديك رحمة، أن لا يفتحوا بطن السمكة قبل أن تموت، ألا يعذب الدجاجة بعد أن يذبحها لا يذبح الشاة أمام أختها، لا يمثل بالحيوان، هكذا،   

(اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ .   قَالُوا: وَمَا اللاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ) 

     الآن قس كل شيء ممكن أن يسبب اللعن قسه على هذا الحديث، تجد نفسك منضبط في عملك إلى أقصى درجة  



المصدر: أحاديث متفرقة - الدرس : 091 - اتقوا اللاعنين