بحث

وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلَامًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا

وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلَامًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا

بسم الله الرحمن الرحيم

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلَامًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا  

     النبي عليه الصلاة والسلام يعرف الدين تعريفاً جامعاً مانعاً،  الدين حسن الخلق ، فمن غفل عن حسن الخلق، وصلى، وصام، وحج، وزكى، لم يحقق الهدف من هذا الدين . النبي عليه الصلاة والسلام حينما  قال    : بنيّ الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا فيما يبدو من هذا الحديث أن الصلاة والصيام والحج والزكاة والشهادة، هذه دعائم الإسلام، وليست هي الإسلام، فمن فعلها، ولم يكن ذا خلق حسن فليس مسلماً، الإسلام بنيّ على هذه الخمس، فالإسلام بنى، إنه بناء الأخلاق، إنه بناءٌ أساسه الخلق القويم، لذلك َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :    وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلَامًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا   وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا . أعلى مراتب الإسلام أن تكون ذا خلق حسن، وأعلى مراتب الإيمان أن تكون ذا خلق حسن، إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً.   

     الإسلام هو الانصياع لله عز وجل، حينما قال الله عز وجل :   وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ         العبادة لها مرحلة معرفية، ولها مرحلة سلوكية، ولها مرحلة جمالية، العبادة هي الطاعة مع المحبة، لكن الطاعة مع المحبة لن تكون إلا بناء على معرفة يقينية، وهذه العبادة، الطاعة مع المحبة لا بد أن تفضي إلى سعادة أبدية، إذا الإيمان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام الإسلام أعلى درجاته حسن الخلق، يعني السلوك، يعني طريقة التعامل، لذلك يقولون : الدين المعاملة، من شاء صام، ومن شاء صلى، ولكنها الاستقامة، فالإنسان حين يبتعد عن جوهر الدين، ويظن أن شكليات الدين هي الدين قد ضل سواء السبيل، فمثلاً نحن أحياناً نعرف الطائرة بأنها تطير، هذا تعريف جامع مانع، لو ألغي الطيران لألغيت هويتها، أما إذا عرفتها أنها شيء واسع، البيت واسع، إذا عرفتها أنها شيء غالٍ الثمن، البارجة غالية الثمن، إذا عرفتها أنها فخمةٌ في داخلها القصر، فخمٌ في داخله، أما إذا عرفتها تعريفاً جامعاً مانعا فقلت : الطيارة تطير، هذه صفة جامعة مانعة، لو ألغي طرف التعريف لألغي طرفه الأول، إذًا  وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلَامًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا.       

     والنبي عليه الصلاة والسلام وصفه الله عز وجل : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ  لمَ لمْ يقل: وإنك ذو خلق عظيم، قال:  وَإِنَّكَ لَعَلى، على تفيد الاستعلاء والتمكن، يعني أحياناً الإنسان يستفزه شيءٌ، ينشأ صراعٌ في نفسه، أيفعل هذا أم لا يفعل؟ هذه المشادة، هذا الصراع قد ينتهي إلى أن ينفجر، وقد ينتهي إلى أن يكظم غيظه، هذا حال المؤمنين، أما حال النبي فمتمكن من خلقه الكريم . مهما كان في الشيء استفزاز كبير، مهما كان هناك وضع حرج جداً، إنه ينتصر على نفسه، ولا ينساق مع هوى نفسه.   

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا    يعني هذا الإنسان كلما اقترب من الله عز وجل، كلما أصبح مصدر سعادة، فيوم القيامة أقرب المؤمنين من رسول الله مجلساً أحسنهم خلقاً، تركيزٌ من النبي عليه الصلاة والسلام على حسن الخلق منقطع النظير.  

     الإسلام درجات، لا يحسن إسلام الإنسان إلا إذا كان ذا خلق حسن، ولا يكمل إيمان المؤمن إلا إذا كان ذا خلق حسن، ولا تكون مقرباً إلى الله عز وجل إلا إذا كنت ذا خلق حسن، أكاد أقول: الدين كله حسن الخلق، خلق المؤمن صارخ ظاهر بيّن، إنك لا تعرف المؤمن من صلاته أو من صيامه، وإنما تعرفه من تعامله معك، من تواضعه، من أمانته، من عفته، من صدقه، من رأفته، من رحمته، من إنصافه، من وفائه، من شجاعته . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن من أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً  ه ناك توجيهات، إنما الحلم بالتحلم، إنما الكرم بالتكرم، الكرم تكليف، تتكرم إلى أن يصبح الكرم عندك طبعاً، وتتحلم أي تصنع الحلم، وتتحلم، إلى أن يصبح الحلم عندك طبعاً، فأنت مكلف، وهناك أشياء تستفزك، وأشياء تثيرك، غير المؤمن يستجيب لهوى نفسه، فيفور، ويقوم، ولا يقعد، ويفعل، ولا يفعل، لكن المؤمن ينضبط،    لذلك الله عز وجل قال : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ في مستوى كظم الغيظ، مستوى العفو عن الناس، مستوى الإحسان، الآن إذا أردنا أن نكون أقرب إلى الله أحب عباد إلى الله يجب أن نكون من ذوي الأخلاق الحسنة.   

     قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : خير ما أعطي الإنسان خلق حسن  خير ما أعطي الإنسان، فقد تؤتى عقلاً راجحاً، وقد تؤتى مالاً وفيراً، وقد تؤتى صحة وجمالاً وقوة وغنى، ماذا يقول لك خبير مبعوث العناية الإلهية يقول لك:  خير ما أعطي الإنسان خلق حسن وقال صلى الله عليه وسلم: والله لأن أمشي مع أخٍ مؤمن في حاجته، خير لي من صيام شهرٍ واعتكافه في مسجدي هذا و قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ.  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  وأن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم  أي العبادة.   

     إذاً فلأنّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، الأخلاق الفاضلة تزيد على العبادات، الصلوات الخمس، والضحى، والأوابين، وقيام الليل وكلامه فظ، ولئيم ويؤذي الناس بلسانه، لا! عباداته تامة، وأخلاقه شرسة، إن فلانة تذكر أنها تكثر من صلاتها، وصدقتها، وصيامها، غير أنها تؤذي الجيران بلسانها،  قال الرسول الكريم: هي في النار . وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ     قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.  

     إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة، والخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد، والخلق السوء يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل، ألا ترون معي أن الدين كله خلقٌ حسن، لا يحسن إسلامك، ولا يكمل إيمانك، ولا تكون عند الله محبوباً، ولا عند النبي مقرباً، ولا في الحياة مفلحاً، ولا في الآخرة ناجياً، إلا إذا كنت ذا خلق حسن.    



المصدر: شرح الحديث الشريف - أحاديث متفرقة - الدرس (023 - 127 ) : إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت