بحث

وصية النبي لأحد أصحابه

وصية النبي لأحد أصحابه

بسم الله الرحمن الرحيم

     عن أبي ذر قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده فجلست إليه   فقال: يا أبا ذر! إن للمسجد تحية، وتحيته ركعتان فقم فاركعهما،   قال : فقمت فركعتهما،   ثم قلت؛ يا رسول الله! إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟   قال: خير موضوع، فمن شاء أقل ومن شاء أكثر،  قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟   قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله،   قلت: فأي المؤمنين أكملهم إيمانا؟   قال: أحسنهم خلقا،   قلت: فأي المسلمين أسلم،   قال: من سلم الناس من لسانه ويده،   قلت: فأي الهجرة أفضل؟   قال: من هجر السيئات،   قلت: فأي الليل أفضل؟   قال: جوف الليل الغابر،   قلت: فأي الصلاة أفضل؟   قال: طول القنوت،   قلت: فما الصيام؟   قال: فرض مجزيء وعند الله أضعاف كثيرة،      قلت: فأي الجهاد أفضل؟   قال: من عقر جواده وأهريق دمه،   قلت: فأي الصدقة أفضل؟   قال: جهد من مقل تسر إلى فقير،  قلت: زدني،   قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء،   قلت: زدني،   قال: إياك وكثرة الضحك! فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه،   قلت: زدني،   قال عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر   دينك،   قلت: زدني،   قال: عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي،   قلت: زدني،   قال: أحب المساكين وجالسهم،  قلت: زدني،   قال: انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك،  قلت: زدني،   قال: لا تخف في الله لومة لائم،   قلت: زدني،   قال: قل الحق وإن كان مرا،   قلت: زدني،   قال: ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما يأتي، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك أو تجد عليهم فيما تأتي، يا أبا ذر! لاعقل كالتدبير، ولا ورع كالكف؛ ولا حسب كحسن الخلق   

     وصيّة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم لسيّدنا أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه، فالإنسان الموفّق يأخذ هذه النصيحة بكلّ خليّة في جسده، وبكلّ قطرة في دمه. 

     ثم قلت؛ يا رسول الله! إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟    هناك في أركان الإسلام صلاةً وصيامًا وحجًّا وزكاةً وشهادةً، فالشهادة مرّة، والحجّ والزكاة والصيام تسقطان عن الفقير والمسافر على اختلاف فيما بينهم، أما الفرض المتكرّر الذي لا يسقط بحالٍ إطلاقًا هو الصلاة، قولـه:  فما الصلاة؟ أي ما قيمتها؟ وما حقيقتها؟ وما مكانها في الإسلام؟  

     قال: خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر، أي خيرُ شيءٍ كلّفنا الله به هو الصلاة، لأنّ خالق الأكوان سمحَ لك أن تتّصل به. إن استكثرت بها فنِعِمّ ما تفعل وإن استقللْت، فالحدّ الأدنى الفرائض. 

     قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟   قال: إيمان بالله   وجهاد في سبيله،   لأنّ الإيمان بالله يبنى عليه كلّ شيء وجهاد في سبيله وهذا هو الدّين كلّه؛ آمنتَ بالله، وضبطْت أهواءك ونواتك وشهواتك، وكسبك للمال، وعلاقاتك بالنساء، وهذا أعظم عمل.  

     قلت: فأي المؤمنين أكملهم إيمانا؟   قال: أحسنهم خلقا، مؤمن يصلّي، وآخر يصلّي، أيّهما أفضل؟ من كان خلقه أفضل... الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان، لذلك الإسلام مجموعة قِيَم بنيَت على عبادات، بني الإسلام على خمس، الإسلام ليس هو هذه العبادات فقط، بناء بني على خمس دعائم، هذه الدعائم ليست هي البناء، البناء شيءٌ آخر.  

     قلت: فأي المسلمين أسلم،   قال: من سلم الناس من لسانه ويده، ضبط لسانه وقال أحد أصحاب النبي يا رسول الله: أومُؤاخذون بما نقول؟  فقال: ثكلتك أمّك يا معاذ! وهل يكبّ الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به سبعين خريفًا .   

     قلت: فأي الصلاة أفضل؟   قال: طول القنوت، صلاة متقنة، وفيها اطمئنان وخشوع. 

     قلت: فأي الهجرة أفضل؟   قال: من هجر السيئات، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: عبادة في الهرْج كهجرة إليّ وحقيقة الهجرة أن تهجر ما نهى الله عنه، طبعًا  قال عليه الصلاة والسلام لا هجرة بعد الفتح ، لكنّ الهجرة قائمةٌ بين كلّ مدينتين تشبهان مكّة والمدينة، فإن كنت في مدينة لا تستطيع إعلان إسلامك فيها، وفي مدينة لا تستطيع أن تصلّي ولا أن تربّي أولادك، والدخل في هذه المدينة فلكي، أما في مدينة أخرى الدخل قليل جدًّا، ولكن بإمكانك أن تصلّي وأن تربي أولادك، وأن تقيم أمر الله في بيتك وعملك، يجب أن تهاجر من تلك المدينة التي فيها دخل فلكي، إلى المدينة التي تستطيع إقامة شعائر دينك. 

     قلت: فما الصيام؟   قال: فرض مجزيء وعند الله أضعاف كثيرة، أنت في الصّيام تدع المباح، فلأن تدعَ بعد الصيام المحرمات من باب أولى، فكأنّ الصيام يقوّي لك إرادتك. 

     قلت: فأي الجهاد أفضل؟   قال: من عقر جواده وأهريق دمه، أي من قدّم حياته في سبيل الله تعالى، لكن هناك أنواع ثلاثة من الجهاد،  

1. جهاد النفس والهوى، هذا الجهاد الأوّل، وهو متاحٌ لكلّ إنسان في كلّ زمان ومكان كائنًا من كان، وفي أيّ ظرفٍ كان، لا تنتظر من إنسان مهزوم أمام نفسه أن يفعل شيئًا في الأرض، 

2. جهاد الدعوة، أو الجهاد الدعوي، الجهاد الثاني سمّاه الله جهادًا كبيرًا، قال تعالى  ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾  أن تتعلّم القرآن وأن تعلّمه فهذا جهاد كبير، وبنصّ الآية الكريمة، ولعلّ النبي عليه الصلاة والسلام عناه حينما  قال: خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه فالذي يتعلّم القرآن ويعلّمه هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم خير الناس قاطبة، 

3. الجهاد القتالي يتاح أحيانا، ولا يتاحُ أحيانا أخرى، أما الأصل فهو الجهاد الدعوي، لأنّ الجهاد القتالي تمهيد للجهاد الدعوة. 

     قلت: فأي الصدقة أفضل؟   قال: جهد من مقل تسر إلى فقير، فقير عندهُ ثمانية أولاد، ورثَ أرضًا، رجلاً من أغنياء غنيّ ومحسن، أراد أن يبني مسجدًا فكلّف أحد المهندسين أن يبحث له عن أرض، فلمّا استقرّ رأيُ المهندس على شرائها لتكون مسجدًا، جاء المحسن وتفحّص الأرض وأعجبته وكتبَ شيكا، عندما علم صاحب الارض الفقير أن هذه الأرض سوف تكون مسجدًا، فهذا الفقير، الذي لا يكفيه الراتب للخبز، مزّق الشيك وقال له: أنا أولى بك أن أُقدّمها لله عز وجل، ذاك جهد المقلّ.  

     قلت: زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء،  الذِّكْر هو الطاقة، فسيارة من دون طاقة عبء، فالذّكر للمؤمن طاقة، فالطاقة موحّدة ولكن آثارها متباينة. 

     قلت: زدني، قال: إياك وكثرة الضحك! فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه، على الإنسان أن يضحك باعتدال،  كان النبي بسّامًا ضحّاكا، وكان يمزح ولا يمزحُ إلا حقّا، أما أن يكون الضّحك هدفًا أساسيًا، هذا يتناقض مع الإيمان، لم يقل النبي: إيّاك والضّحك، ولكن كثرته. 

     قلت: زدني،   قال عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك، لأنّ الصامت في سلام، والمتكلّم إما له أو عليه، قد يتكلّم الإنسان بكلمةٍ لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنّم سبعين خريفًا. 

     قلت: زدني،   قال: أحب المساكين وجالسهم، تلبية دعوة الأغنياء والأقوياء من الدنيا، أما تلبية دعوة الضّعفاء والفقراء فهي من الآخرة، لأنّه من دُعِيَ ولمْ يلبّي فقد عقّ أبا القاسم،  

     قلت: زدني، قال: انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك،  فإنه أجدر ألا تزدري نعمة الله عندك،  

     قلت: زدني،   قال: لا تخف في الله لومة لائم،    

     قلت: زدني، قال: قل الحق وإن كان مرا،  

     قلت: زدني،  قال: ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك ،   ولا تجد عليهم فيما يأتي، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك أو تجد عليهم فيما تأتي،  ينتقد الناس وهو فيه علل لا تنتهي، فأنت تزكّي نفسك وتسامحها، وتمدحها، وتتغاضى عن عيوبها، وتحاسب الناس عن أدقّ الهفوات، فهذا إنسان مهزوز، ومتناقض.  

     وقال: يا أبا ذر! لاعقل كالتدبير، ولا ورع كالكف؛ ولا حسب كحسن الخلق فأعلى نسب أن تكون حسن الخُلق، وأعلى ورع أن تمتنع عن المعصية، وأعلى عقل أن تستخدم عقلك في شؤون آخرتك. 



المصدر: أحاديث متفرقة - الدرس : 083 - وصية النبي عليه السلام لأبي ذر الغفاري