بحث

رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس

رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس

بسم الله الرحمن الرحيم

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  

(رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس والتودد إلى الناس وما هلك رجل عن مشورة وما سعد رجل باستغنائه برأيه، وإذا أراد الله أن يهلك عبداً كان أول ما يفسد به منه رأيه، وأن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأن أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة)     

     هذا الحديث أيها الأخوة فيه جوانب كثيرة جداً منها: أن علامة العقل الإيمان بالله وأن علامة العقل مداراة الناس، وأن علامة العقل التودد إليهم، يبدو أن مداراتهم هو الاتجاه السلبي أما التودد إليهم فيها اتجاه إيجابي التودد أن تبذل لهم، أن تعطيهم من وقتك، ومن خبرتك، ومن مالك أما المداراة أن ترعى شعورهم، أن تحتاط فلا تزعجهم، من استغنى برأيه شقي ومن استشار الرجال سعد وإذا أراد الله أن يهلك عبداً عزله عن المجتمع فاعتد برأيه فكان هلاكه في تدبيره. 

     رأس العقل بعد الإيمان بالله الحقيقة رأس العقل الإيمان بالله، يعني قمة العقل أن تؤمن بالله، فمن غاب عن هذه الحقيقة فهو متهم بالغباء، عقله لم ينفعه  إما أنه عطله أو إما أنه أساء استخدامه، ف الإيمان بالله قبل كل شيء، لذلك هناك ما يسمى بالذكاء الجزئي والذكاء الشمولي، فكل إنسان قد يكون متفوقاً باختصاصه إن في الطب، أو الهندسة، أو التعليم، أو بعض الاختصاصات، فمن تفوق في اختصاصه وأبدع فيه وليس مستقيماً على أمر الله عز وجل فهذا ذكاؤه من نوع الذكاء الجزئي الذي لا ينفعه يوم القيامة، لكن الذكاء الشمولي، أو العقل الشمولي هو العقل الذي يصل إلى الله عز وجل، إذا وصل العقل إلى الله فقد استخدم العقل استخداماً صحيحاً، فقد استخدم العقل لما خلق له، والعقل لا يعطل،   

     رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس الذكاء يبدو في التكيف فالإنسان الذي لا يتكيف يصل إلى أهدافه عن طريق العنف هذا ضعيف الحيلة، ضعيف التفكير لا يتمتع بالذكاء اللائق بالإنسان، ولكن بالمناسبة وهذا من معلوماتكم البديهية المداراة شيء والمداهنة شيء آخر، المداهنة أن تطلب الدنيا على حساب الدين، بذل الدين من أجل الدنيا مداهنة   لكن المداراة بذل الدنيا من أجل الدين، والمداهنة خلق المنافقين، بينما المداراة خلق المؤمنين، والمداراة تحتاج إلى رفق وإذا ابتعد الإنسان عن الرفق سلك أسلوب العنف والعنف لا يأتي إلا بالعنف  والعنف الذي ولده العنف يولد عنفاً آخر وهذا نمضي في حلقة مفرغة إلا ما لا نهاية. لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:  علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف والمؤمن ليس في تسييب الأمور ولا اللين الضعيف ولا في القمع والشدة والعنف، ولكن بينَ بين، لا تكن ليناً فتعصر ولا قاسياً فتكسر مع أولادك، مع أهلك، مع جيرانك، مع أقربائك، مع الباعة كن ليناً الأمور خذها بالهدوء، خذها بالحلم، خذها بالتؤدة، خذها بالتبصر، خذها بتبصر العواقب، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:  لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.    أنت لا تعرف بابتسامتك، بزيارتك، بعيادتك إلى المريض بتقديمك هدية لإنسان بعيد، ببذل معاونة إلى إنسان محتاج، أنت لا تدري أنك فعلت فعلاً سحرياً في هذا الإنسان،  قال النبي عليه الصلاة والسلام:  بعثت بمداراة الناس   أما هنا الباء لها معنى دقيق جداً، الباء هنا للاستعانة، أي أنا أستعين على تعليمهم بمداراتهم،   

     رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس والتودد إلى الناس  ما التودد؟ التودد هو المظهر المادي للحب، الحب شعور يبدو في التودد، فالابتسامة مظهر مادي لشعور الحب في القلب، تقديم الهدية مظهر مادي لشعور الإكبار في القلب، فكل شعور ينطوي عليه القلب يأتي السلوك الظاهر الذي يدعمه ويؤكده يسمى هذا تودداً،   

     وما هلك رجل عن مشورة و النبي عليه الصلاة يقول:  ما خاب من استشار ولا ندم من استخار   الاستخارة لله عز وجل، والاستشارة لأولي الخبرة من المؤمنين، من استشار الرجال استعار عقولهم، من صفات المؤمن أنه يستشير، طبعاً إذا كان مؤمن ينصحك لا شك، فالمؤمن نصوح، ناصح أمين قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  الدِّينُ النَّصِيحَةُ .   الإنسان إذا نصح مديره فقد أزاح عن كاهله هذا التكليف الإلهي المؤمن ينصح والمدير عليه أن يستجيب لماذا؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق المعصوم، الذي يوحى إليه، الذي معه القرآن، لحكمة أرادها الله بالغة في موقعة بدر نزل منزلاً هناك أفضل منه فجاء الحباب بن المنذر رضي الله عنه قال: يا رسول الله ـ وهو يفيض إخلاصاً، ويفيض غيرةً ـ أهذا الموقع وحي من الله أم المشورة والرأي، قال: بل المشورة والرأي، فقال هذا الصحابي الجليل: يا رسول الله ليس بموقع، ودل النبي على موقع أفضل منه والنبي استجاب،   لماذا استجاب؟ ليقف الموقف الكامل وليكون قدوةً لكل عالم من بعده، ولكل أمير أو مدير من بعده أن إذا قدمت لك نصيحةٌ، ثمينةً، مخلصةٌ يجب أن تصغي إليها أولاً ويجب أن تستجيب لها ثانياً، إذا أردت رضاء الله عز وجل. 

     وما هلك رجل عن مشورة   الإنسان المنعزل دائماً يدفع ثمن انعزاله، ويحصد مغبة عمله ويدفع ثمن انعزاله باهظاً، الإنسان يجب أن يسأل، كما يقول بعضهم يجب أن تدرس هذه القضية درساً، أن تضع العقبات، الإيجابيات، السلبيات أن تسأل الخبراء حتى تتخذ قراراً صحيحاً، والحقيقة القرار الصحيح ناتج عن المعلومات الصحيحة. فكل إنسان يتخذ قرار بلا معلومات، أو بلا حقائق، أغلب الظن أن قراره ليس صحيحاً وربما اضطر أن يتراجع عنه،   

     ما سعد رجل باستغنائه برأيه لا يسعد لأنه قد يتوهم، إذا الإنسان عزل نفسه عن المجتمع أو عزل نفسه عن اخوانه، أو عن أنداده، أو عن المؤمنين الصادقين عن العلماء العاملين، يقع في وهم خطير هذا الوهم هو الذي يدفعه إلى سلوك خاطئ.   

     وأن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأن أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة،   المنكر ما أنكره العقل والشرع، والمعروف ما أقره العقل والشرع.   



المصدر: أحاديث متفرقة - الدرس : 054 - أحاديث عن الرفق .