بحث

تبيان النبي لأصناف من الناس محجوبه عن الله يوم القيامة

تبيان النبي لأصناف من الناس محجوبه عن الله يوم القيامة

بسم الله الرحمن الرحيم

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ 

     هذا الحديث منطلق لموضوع دقيق في الأخلاق، أن كل إنسان بحاجة إلى خُلق معين، كيف؟ الورع حسن، الورع قيمة راقية جداً، لكن في العلماء أحسن، أي ألزَمُ صفة للعالم أن يكون ورعاً، لأنك يمكن أن تنتفع من مهندس أو طبيب، أو عالم ذرة أو عالم فلك أو عالم رياضي، تنتفع به، ولا تلقي بالاً إلى سلوكه وانضباطه، تريد علمه فقط، لكن لا يستطيع إنسان على وجه الأرض أن ينتفع بعالم الدين إلا إذا كان مطبقاً لما يقول.  لذلك الورع حسن، لكن في العلماء أحسن، الحياء حسن، لكن في النساء أحسن، التوبة حسنة، لكن في الشباب أحسن، ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب التائب، يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي. فرق كبير بين أن يأتي للمسجد، وهو شاب في ريعان الشباب، وبين من يأتي إلى المسجد، وقد ذهبت عنه كل شهواته وغرائزه، ولم يبق أمامه إلا القبر، فاضطر أن يأتي إلى المسجد. والعدل حسن، لكن في الأمراء أحسن. والصبر حسن، لكن في الفقراء أحسن، لا يوجد أجمل من فقير متجمل، فقير صابر، لا يتضعضع أمام غني، متجمل، تحسبه غنياً من التعفف:  ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً﴾  هو لن يسألك، ولن يتضعضع أمامك، ولن يطلب منك، إذاً عليك أن تبحث أنت عنه، صار هناك واجب حتمي.  

     وهذا يقودنا إلى موضوع دقيق، أن هناك عبادة الهوية، أنت من؟ أنت قوي، العبادة الأولى إحقاق الحق، أنت غني، العبادة الأولى إنفاق المال، أنت عالم، العبادة الأولى إلقاء العلم، هذه عبادة الهوية، ورد في الأثر،  أحب ثلاثاً، وحبي لثلاث أشد:  

     أحب الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشد ، شاب في مقتبل الحياة كالمرجل طاقة، وحيوية، وغرائز، وشهوات، وآمالا، كل هذه الطاقة، وكل تلك الشهوات ضبطها وفق منهج الله:  

  • أنا في الحج رأيت رجلاً أيقنت أنه من أوربا من هيئته ولونه، فإذا هومن ألمانيا الغربية، يمشي مع من أعرفه، سألته عنه، قال لي: هذا إنسان ألماني غربي سكن عنده طالب سوري، وعنده فتاة جميلة، اشتهى هذا الأب أن يلمح هذا الطالب مرة واحدة ينظر إلى ابنته، دهش، فحاوره وأقنعه بالإسلام فأسلم، هذا الطالب ما تكلم ولا كلمة، إلا أنه غض بصره عن محارم الله.  
  • أكبر عالم رياضيات ملحد بسان فرانسيسكو ويوم كان طالباً في التعليم الثانوي انتقد أستاذ الديانة في أمريكا طبعاً فطرده أبوه من البيت فاعتنق الإلحاد، وصار علماً من أعلام الإلحاد هناك، في الجامعة كان أستاذه يستعين به في بعض القضايا في الرياضيات عنده طالبة من الشرق الأوسط محجبة حجاباً كاملاً، والوقت صيف، والفتيات في أمريكا شبه عرايا، فأرسلها إلى هذا الأستاذ الملحد كي يجيبها عن بعض الأسئلة، هذا الملحد نظر إليها ظاهرة غريبة، الفتيات عرايا في الصيف، ما بال هذه الفتاة محجبة حجاباً كاملاً، والحجاب عبء على الفتاة، ولا سيما في الصيف؟ لكن عبادتها تلك أنا أسميها عبادة إحصان، عبادة إعفاف الشباب، حينما تستر مفاتنها عن الشباب، وتريحهم قليلاً تكون قد أدت أجمل ما خصها الله به من مفاتن.  فهذه الفتاة محجبة حجاباً كاملاً، هو يحتقر الشرق الأوسط، وجد فتاة شرق أوسطية في أيام الصيف محجبة حجاباً تاماً، يقول في كتابه: والله ما تجرأت أن أحدق في وجهها، ورغبت أن أخدمها بكل حاجتها، وشعرت أنها إنسانة قديسة، وتتمتع بقناعات تنفرد بها.   ماذا فعل هذا الملحد؟ عكف في اليوم نفسه على قراءة القرآن، إلى أن وصل إلى قوله تعالى:  ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً﴾  قال : هذا غلط، واتصل بصديقه موريس بوكاي في فرنسا، وقال له: تفضل، تقول: إن الكتب المقدسة لا يوجد بها أخطاء، هذا القرآن، قال له: هذا فرعون الذي ذكره الله عز وجل أنا رممت جثته بنفسي موجود حتى الآن، وآثار الملح في فمه، وكل الدلائل تؤكد أنه مات غرقاً.   الآن جفري لنك، هذا الأستاذ الملحد، أكبر داعية في أمريكا إسلامي، هذه الفتاة لم تنطق بكلمة، لكن حجابها دعوة. 

     أحب الكرماء، وحبي للفقير الكريم أشد، المؤمن الفقير يوجد أخ دخله لا يكفيه أسبوعين، له صديق أخ في الله فَقَدَ عمله، أعطاه نصف ما عنده، أعرف إخوة إذا زاروا أخاً لهم، وعلموا أنه لا يملك شيئاً من المال إن ذهب ليأتي بالماء وضعوا في جيبه المال دون أن يشعر، لأنه عفيف جداً. قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.   رجل محسن كبير، أراد أن يبني مسجداً في منطقة لا يوجد بها مساجد، وكلف أحدهم أن يشتري أرضاً، والأرض اشتراها مناسبة، مساحتها مناسبة، وشكلها مناسب، واتجاهها مناسب، وجاء هذا المحسن الكبير ليرى الأرض ميدانياً، طلب صاحب الارض مبلغا، أعطاه هذا المحسن شيك بنصف الثمن وقال له النصف الثاني عندما ننهي الاوراق القانونية، صاحب الأرض يعمل كحارس، والأرض ورثها من شهر، عنده ثمانية أولاد، دخله قليل جداً، لكن ورث هذه الأرض، سأل صاحب الارض المشتري عما سيفعلون بها قال له: هذه الأرض سوف يبنى عليها مسجد، قال له: مسجداً ! فأخذ الشيك، ومزقه، قال له: والله أستحي من الله أن أبيع أرضاً لتكون مسجداً، أنا أولى منك أن أقدمها لله عز وجل.   يقول هذا الغني المحسن: والله ما صغرت في حياتي أمام إنسان كما صغرت أمام هذا الفقير، كيف أنه استحيا من الله أن يبيع أرضاً تكون في النهاية مسجداً؟! 

     وأحب المتواضعين، وحبي للغني المتواضع أشد.   يوجد أغنياء مؤمنون تشتهي الغنى من تواضعهم، ومن سخائهم، ومن حبهم للناس، ومن أعمالهم التي لا تعد ولا تحصى. 

     وأبغض ثلاثاً، وبغضي لثلاث أشد، أبغض العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشد، أي مراهق في الستين، ليس من المعقول، تجد شخصاً سخيفاً يبالغ بالزينة، تزين، وتجمل، لكن يوجد وضع معقول، أما المبالغة بالزينة، وكأن الجنس إلهه يعبده من دون الله،  

     وأبغض المتكبرين، وبغضي للفقير المتكبر أشد، تجد شخصاً لا يملك علماً، ولا فهماً، ولا مالاً، ولا شيء، وهو متكبر، شيء لا يحتمل، قد يتكبر إنسان، وهو يتربع على ثروة كبيرة جداً، الأمر اختلط عنده، قد يتكبر الإنسان، وهو يحتل منصباً رفيعاً جداً، قد يتكبر الإنسان، ومعه أعلى شهادة باختصاص نادر، أما لا علم، ولا فهم، ولا حكمة، ولا مال، ولا شيء، ومع ذلك متكبر. 

     وأبغض البخلاء، وبغضي للغني البخيل أشد. 

     أيها الإخوة الكرام، طبعاً هذا الكلام مستوحى من هذا الحديث:  

ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ 

     عائل أي فقير. 



المصدر: أحاديث متفرقة - الدرس : 125 - ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ....