الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، وغذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، إذا لبى الحاجات الثلاثة تفوق، أما إذا اكتفى بواحدة تطرف والحديث اليوم عن الحاجة الثالثة، حاجة الجسم، عن الرياضة، وعلاقتها بهذا الدين العظيم، ف الرياضة توفر للجسم قوته، وتزيل عنه أمراضاً، ومخلفات ضارة بطريقة طبيعية، والناس من قديم الزمان لهم طرق وأساليب في تقوية أجسامهم، وكل أمة أخذت منها ما يناسب وضعها ويتصل بأهدافها، الأمة الحربية عنيت بحمل الأثقال، وبالرمي، واللعب بالسلاح، والأمة التي تكثر فها السواحل عنيت بالسباحة، والأمة المسالمة الوادعة عنيت بالتمرينات الحركية، وهكذا، وكان العرب كغيرهم من الأمم لهم أنواع من الرياضة، أملتها عليهم ظروف معيشتهم التي تعتمد على الرحلات، والصيد.
أقرَّ الإسلام الرياضة، وشجع عليها، و بهذا نعرف مدى شمول الإسلام لكل مظاهر الحضارة، والإطار العادل الذي وضع للمصلحة العامة، أما حكم الرياضة في الإسلام فالحكم العام هو الجواز، أما إذا كانت من أجل تقوية الأبدان، فإنها ترتفع عن مستوى الإباحة إلى مستوى الاستحباب، بل إلى مستوى الندب، بشرط أن تكون الممارسة بريئة من كل معصية، وهادفة إلى تقوية الأبدان، وتقوية الأرواح. والإسلام لا يمنع تقوية الأجسام بل يريد من المؤمن أن يكون قوياً في جسمه، وفي عقله، وفي أخلاقه، وفي روحه، لأن الحق يحتاج إلى القوة، في الأمم الشاردة الحق هو القوة أما في أمة الوحيين الكتاب والسنة، الحق ما جاء به الوحيان لكنه يحتاج إلى قوة، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف)) والجسم القوي أقدر على أداء التكاليف الدينية والدنيوية، والإسلام لا يشرع ما فيه إضعاف الجسم إضعافاً يعجزه عن أداء هذه التكاليف، بل خفف ببعض التشريعات إبقاء على صحة الجسم، فأجاز أداء الصلاة قعوداً لمن عجز عن القيام، وأباح الفطر لغير القادرين على الصيام، ووضع الحج والجهاد عن غير المستطيع، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الله بن عمرو بن العاص، وقد أرهق نفسه بالعبادة صياماً وقياماً: ((صم وأفطر، وقم ونم، فإن لبدنك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً)) .
مظاهر الرياضة البدنية في الإسلام كثيرة، والتكاليف الإسلامية نفسها يشتمل كثير منها على رياضة الأعضاء، إلى جانب إفادتها في رياضة الروح، واستقامة السلوك، فالصلاة ـ صدقوا ولا أبالغ ـ إحدى الدولة الأولى بالعالم التي تهتم بالتمارين الرياضية ، كلفت عدداً من علماء الرياضة أن يضعوا تدريبات وتمرينات تصلح للكبير والصغير، والرجل والمرأة لكل الأعمار، وفي كل الأوقات، فجاءت التدريبات مطابقة تماماً لحركات الصلاة، فحص دقيق جداً. بعض أهداف الرياضة في الإسلام، حفظ الجسم قوياً نشيطاً، النبي ـ عليه الصلاة والسلام ، في ملمح من سيرته، في بدر يوم كان الصحابة ألفاً والرواحل ثلاثمئة فقال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، ركب النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ الناقة فلما جاء دوره في المشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً، فقال كلمة رائعة جداً: ما أنتما بأقوى مني على السير ـ كان رياضياً ـ ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر . يجب أن تنمو في الرياضة روح التعاون، والمنافسة الشريفة الهادئة بين الأفراد والجماعات، وأن تنمي أخلاق الفرد، وأن تُحسّن من تعامله مع الآخرين، و تدفعه إلى الصدق والأخلاق الكريمة.
أما الرياضة التي عرفت في عهد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ عهد الجري على الأقدام، فكان رضي الله عنهم يتسابقون على مرأى من النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وكان النبي يقرهم على ذلك، ففي الحديث الشريف: ((لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ فِي حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ)) خيل أو سيف، المباراة بالسيف، أو بالخيل، أو سباق بالخف مشياً، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((علّموا أولادكم الرماية، والسباحة، ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً)) . والمصارعة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام منافسة تظهر قوة الرجال، بحيث يُلقي أحد المنافسين الآخر أرضاً دون إيذاء، أو ضرر، ودون سخرية منه، كما فعل الرسول مع ركانة، ركانة رجل وكان أقوى الرجال في الجاهلية، فطلب أن يصارع النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فالنبي قبل هذا التحدي فصارعه وصرعه.
ضوابط ممارسة الألعاب الرياضية في الإسلام :
- الضابط الأول: ألا تلهي الرياضة عن واجب شرعي: قال تعالى: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾.
- الضابط الثاني: مراعاة المقصد الحسن عند مزاولة الرياضة: أي أن تكون وسيلة لإعداد الإنسان ليكون قوياً، انطلاقاً من قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف)) و انطلاقاً من قول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ : "روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت". الرياضة بهذه الضوابط من شأنها أن تعين المسلم على القيام بالواجبات المنوطة بالمسلم في الحياة الدنيا .
- الضابط الثالث: وجوب ستر العورات، والبعد عن مواطن إثارة الغرائز. لا يرضى عن الألعاب الجماعية التي يشترك فيها الجنسان، وفيها كشف للعورات، لا يرضى الإسلام عن الألعاب التي تثير الشهوة، وتحدث الفتنة، كرياضة الرقص من النساء حين تعرض على الجماهير، لا يرضى لجنس أن يزاول ألعاب الجنس الآخر، إلا أن يزاول ألعاباً تليق به. الآن في مشكلة في العالم الإسلامي، هذه المشكلة أن نساءنا الطاهرات المحجبات لا يعتنين بصحتهن كما ينبغي، ولا يمارسن الرياضة، فتجد المرأة المسلمة في سن مبكرة تترهل، ويضعف قلبها، وتضعف مفاصلها، هناك أمراض كثيرة تتأتى للمرأة، مع أنها طاهرة، ومؤمنة، ومحجبة، لكن ضعف وعيها الصحي، وضعف ممارستها للرياضة، سبب كل ذلك، لذلك الله عز وجل يقول : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ ويا أيتها المؤمنة كوني قوامة لله، أي كوني قوية، الأمر الذي يتوجه إلى الرجال في القرآن الكريم هو حكماً موجه للنساء. الدليل على جواز ممارسة المرأة للرياضة، أن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت مع النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في سفر قالت: ((فسابقته فسبقته فلما حملت اللحم ـ ازداد وزنها ـ سابقته فسبقني، فقال: يا عائشة هذه بتلك)) إذاً السباق ورد من النبي عليه الصلاة والسلام مع أهله.
- الضابط الرابع: عدم اشتمال الرياضة على خطر محقق أو غالب الظن: لأن الله عز وجل قال: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ وقد قال عليه الصلاة والسلام في قاعدة فقهية رائعة: ((لا ضرر ولا ضرار)) أية رياضة تؤدي إلى إيذاء الطرف الآخر فهي محرمة.
- الضابط الخامس: البعد عن المكاسب المحرمة في الرياضة: الآن في سباق الخيول وسباق الجمال مراهنات من نوع القمار، فالرياضة التي يبنى عليها كسب مال محرم، هي في الأصل محرمة.
- الضابط السادس: وألا يترتب على إقامة المسابقات الرياضية موالاة أو معاداة: الرياضة، ينبغي أن تكون تدريباً لتقوية الأجسام، وأن يتحلى الرياضيون بالأخلاق، والقيم، والمبادئ، أما أن تغدو الرياضة حرباً ، فهذا شيء لا يصدق. الإسلام منهج الله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ في أي مجال عدوان بالكلام، عدوان بالسخرية، عدوان بالتهليل والتصفيق غير المعقول، عدوان باحتقار الآخر، هذا كله محرم.
الإسلام هو الحياة، الإسلام أن يكون عقلك ناضجاً، وقلبك عامراً، وجسمك قوياً، مرة ثانية الآن ليس هناك نجاح جزئي، لا يسمى النجاح نجاحاً إلا إذا كان شمولياً، وأنا اخترت من الموضوعات الكثيرة التي ينبغي أن تنجح فيها أربع موضوعات؛ أن تنجح في علاقتك مع الله، معرفة، وعبادة، وطاعة، وتقرباً، وأن تنجح في علاقتك مع أسرتك، أهلك وأولادك، وأن تنجح في علاقتك بعملك، وأن تنجح في علاقتك بجسمك، هذا هو النجاح في محطات كثيرة، اختصرتها إلى أربع محطات، مع ربك، ومع أهلك ومع عملك، ومع جسمك.