بسم الله الرحمن الرحيم
لابد أن يكون النجاح شاملاً لنواحي الحياة:

قد تكون العلاقة مع الله ليست طيبة، وفي البيت نكد، وهذا عقاب من الله، الزوجة لا تهابك تتطاول عليك، ترد عليها بقسوة فتذهب إلى بيت أهلها، البيت مضطرب، تنطلق إلى عملك منزعجا، البيت فيه اضطراب، والأولاد من دون أم، البيت ما فيه طعام، ما فيه تنظيف ولا عناية، فما صرتَ طبيعيا في عملك، بدأت مع الله، وانتقلت إلى الأهل، ثم إلى العمل، وجدت قلبك يخفق زيادة على العادة، فذهبت إلى طبيب القلب، فلما لم تكن علاقتك مع الله عز وجل صحيحة انعكست على بيتك، وعلى عملك، وعلى صحتك.
الإنسان رائع جداً، لكن لا يعرف شيئًا عن الصحة، أكله غير منظم، يأكل ما يشاء بلا تقنين، لا يهتم بصحته، أصبحت صلاته صعبة، يصلي بتثاقل، لما أهمل صحته انتقلت المشكلة إلى علاقته مع ربه، أهمل صحته فلم يجد النشاط، أهمل صحته فاضطر إلى الأدوية قبل الأكل، وبعد الأكل، على الريق، من دون ريق، في أثناء الطعام، وبعد الطعام، هذه ممنوعة مع هذه، دخل في متاهة الأدوية، أهمل صحته فانعكست على بيته، وهناك مشاكل كبيرة جداً.
أركان النجاح في الحياة:
صدقوا وآمنوا أنه لا يعد النجاح نجاحاً إلا إذا كان شمولياً
أولاً: نجاح العبد في علاقته بربه:
التفوق بأن تلبي واجبك تجاه ربك، فإن لله عبادة في النهار لا يقبلها في الليل، في النهار عمل، وإن لله عبادة في الليل لا يقبلها في النهار.
1. لابدّ من رفعِ الشبهات ودفعِها:

أنا أقول دائماً: الجواب الرائع: إن رجلا معه التهاب معدة، الطبيب الرحيم يشدد عليه تشديدا غير معقول، تتناول الحليب فقط، وإذا كان يحبه أو كان قريبه، وأكل أكلة ثانية يقيم عليه النكير، كيف تشدد؟ لأنه مصابٌ بالتهاب المعدة قابل للشفاء، فبالحمية فقط يعالَج، هذا الطبيب الرحيم الفهيم له مريض آخر معه ورم خبيث في الأمعاء منتشر، بقي له شهر حتى يموت، قال له المريض: ماذا آكل؟ قال له: كل ما شئت.
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً)
[سورة الأنعام الآية: 44]
إذا كان عندك شبهة حلها، اسأل، كيف يعلم الله عز وجل؟ لماذا خلقه ما دام كافرا؟ شبهة ثانية اسأل عنها، لها جواب رائع جداً.
(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
[سورة النحل]
لا تترك عندك شبهة، لأن الله عز وجل له امتحانات صعبة، أزِل الشبهات.
2. التعامل مع الشهوات بالسبل الشرعية:

الآن الشهوات: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، ليس في الإسلام حرمانٌ أبداً، اشتهيت المرأة تزوج، اقرأ الحديث:
ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ ؛ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَاف
[الترمذي عن أبي هريرة]
هذا الكلام للشباب، لك عند الله حق، اطلب العفاف فقط، يا رب، هب لي زوجة صالحة.
غض بصرك، فإنّ غض البصر مثل المطمورة التي يخبَّأ المال فيها، كلما تغض بصرك عن امرأة لا تحل لك تضع فيها ليرة ذهب، هذه تفتح يوم العرس، والله عز وجل يكافئك على ضبط نفسك قبل الزواج، ولابد من غض البصر بعد الزواج أيضاً، وإياك أن تظنه فقط للزواج، واللهُ يكافئك على غض البصر بزوجة صالحة، وهي جنة الدنيا.
(رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً)
[سورة البقرة الآية: 201]
وحسنة الدنيا المرأة الصالحة، هذا تفسير الآية:
(رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً)
حسنة الدنيا الزوجة الصالحة.
ثانياً: نجاح العبد في علاقته مع زوجته:

أنت تهتم بسمعتك أمام الناس كلها، فهذا مثلا لابد أن تعتذر منه، وهذا تقدم له هدية، وهذا كلمته بكلمة قاسية فاعتذرت منه، لماذا مع الناس كلهم تمشي على الطريق الصحيح، وهذه الزوجة التي في البيت شريكة حياتك تعكِّر صفو حياتها؟ فلا تعتذر لها إطلاقاً، وتتفنن بالسخرية من أهلها، فتكرهه، ولا تتجاوب معه، فلا يكون بينهما حب.
وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ
[متفق عليه]
كل زوج يدخل إلى البيت يقول لزوجته: الله يعطيك العافية، أنا أسعد الناس بك.
إنّ علاقتك مع زوجتك أحد أركان نجاحك في الحياة، لها كرامتها، لك أهل، ولها أهل، لماذا إذا تكلمتْ كلمة على أمك تقيم عليها النكير، وتقول: هذه أمي، وهي أمها أيضاً، لستَ منطقيًا، بل أنت عنصري، أمك لها أخطاء، وأمها لها أخطاء، احترمها، واحترم أمها، احترم أباها، واعلم أنّ لك أبا أنجبك، وأبا زوّجك، هذا أبوك، لأنه اعتنى بابنته ثم قدمها لك هدية.
بطولتك إذا دخلت البيت أن يصير دخولُك عيداً، وإذا كنت أبا سيئًا ـ لا سمح الله ـ يكون العيد لما تخرج من البيت، لأن وجودك ثقيل، وتكثر من الكلام البذيء.
والله هناك بيوت جنة، السلام عليكم، أهلاً وسهلاً، الكل يرحّب بالأب، ويأتي الأولاد ليقبّلوا يدك، أنا لا أتكلم من فراغ، بل من قصص أسمعها، فتجد الرجل ألطف خارج البيت، وداخله كالوحش والعياذ بالله.
(عَبُوساً قَمْطَرِيراً)
[سورة الإنسان]
ابنك هذا مَن له غيرك؟ أنا أريد بيتك جنة، ولا علاقة لحجم البيت ومساحته، والأكل ليس مشكلة، واللبس ليس مشكلة، والبيت ليس مشكلة، المشكلة في الحب، أن يكون الحب في البيت، في ود علاقتك مع الله، علاقتك مع زوجتك وأولادك.
ثالثاً: نجاح العبد في عمله:

رابعاً: نجاح العبد في صحته:
أن تكثِر من الأكل ولا تمارس الرياضة فهذا غير معقول، لأن عُشر ما نأكله يكفي لبقائنا أحياء، وتسعة أعشار ما نأكله يكفي لبقاء الأطباء أحياء.
قد تأتي بسمن نباتي، هل تدري من أي شيء مصنوع؟ الآن التقنية الغذائية في أوجّها، بقايا المسلخ، أمعاء، عيون، قرون، يضعونها، ويصنعون منها السمن النباتي، يقال لك: سمن بقري صاف، ما نوع الدسم الذي تأكله؟ انظر إلى الأكل الذي تأكله، الأكل الصحي رخيص، يا ترى أنت قرأتَ عن الأغذية؟ هل عندك ثقافة غذائية؟ يجب أن يكون عندك كتاب تغذية في البيت لتكسب ثقافة غذائية، لأن هناك أكلا قاتلا وغاليا جداً.
البِطْنة تُذْهِبُ الفِطْنَة
[رواه الطبراني عن ابن عباس]

رتب أمورك، اقرأ عن التغذية، يجب أن يكون الأكل صحيا، هذه الأكلة لا تناسب، هذه الأكلة تؤذي، هذه الأكلة فيها مواد مسرطنة، هذه فيها الصوديوم بكثرة، لابد أن يكون في البيت كتاب صحي، كتاب أغذية.
المشروب الغازي يدمن عليه ابنك كل يوم، فلا تعوّده، عوده على الشراب الطبيعي، عوّده على اللبن، عوده على الليمون، عوده شيئًا طبيعيا، هذا الشيء المستورد له إشكال كبير جداً.
أنا لا أدخل في تفاصيل الموضوع، لكن لا بد أن يكون في البيت كتاب صحي ، كتاب في التغذية، كتاب بالفيتامينات، كيف تأكل، كيف تشرب، شيء يؤكل، شيء لا يؤكل، شيء يؤذي المعدة، شيء يؤذي الأمعاء، شيء يؤذي القلب، لا بد من حد أدنى للوعي الصحي.
الملخص:
إن النجاح لا يسمى نجاحاً إلا إذا كان شمولياً.
تقول: وجدتُ عملا خارج بلدك، كم سنة؟ سنة بأكملها، ما هو الفرق؟ الفرق ضعف راتبي، براتبك هذا خسرت زوجتك وأولادك سنة بأكملها، فلا أب يردع أبناءك، الأم لوحدها لا تربي، فلا يعد النجاح نجاحاً إلا إذا كان نجاحاً شمولياً، يغطي علاقتك مع الله أولاً، وعلاقتك مع أهلك وأولادك ثانياً وعلاقتك مع عملك ثالثاً، وعلاقتك مع صحتك رابعاً، هذا النجاح.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: موضوعات إسلامية – موضوعات متفرقة – المحاضرة 080: المفهوم الحضاري للنجاح ( علاقتك بربك وأهلك وعملك وصحتك ).
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-08-31 | المصدر
مترجم إلى: اللغة الإنجليزية